المؤشر العربي وخيار الديمقراطية

المؤشر العربي وخيار الديمقراطية

29 مايو 2018
+ الخط -
تعد دراسة تحولات الرأي العام من أهم المؤشرات التي تقود إلى صنع السياسات الشعبية في البلدان الديمقراطية، ولذلك يُطلق على الحكومات الديمقراطية بأنها "Responsive Government"، أي أنها تستجيب للرأي العام، وتأخذ بالاعتبار تحولاته وآراءه ومواقفه. ولذلك وبدون جدل، يعد "المؤشر العربي" الذي يصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من أهم الأدوات البحثية التي على السياسيين العرب والغربيين الاعتماد عليها عند صياغتهم السياسات على المستويين، العربي والدولي.
أصبح "المؤشر العربي" بمثابة تقليد سنوي، وهذا ما يعاظم فائدته وأهميته، فهو يعطيك "الداتا" الدقيقة للمقارنة والاعتماد على الأرقام، وهو ما يدفع بتحويل السياسات إلى فعل مبني على العقلانية السياسية، وليس بناءً على ردات فعل، أو انطباعاتٍ تقود إلى سياساتٍ غير عقلانية، دفعت المجتمعات العربية ثمنها كبيراً، بسبب تهور السياسات، واعتمادها على المستبد الفرد الذي تحرّكه نزواته ودوافعه الخاصة، بدل أن تكون المصلحة العامة المحرّك الرئيسي لسياسات الدولة وقراراتها.
يذكر المؤشر العربي 2017/ 2018، في بدايته، أن أحد أهدافه "معرفة مدى قبول المواطنين النظامَ السياسي الديمقراطي؛ من خلال قياس اتجاهات الرأي العامّ في المنطقة العربية نحو مجموعة من المتغيرات". ومع تعمق فشل عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية بعد التفاؤل الكبير الذي أحدثه الربيع العربي عام 2011، وتصاعد التفجيرات الإرهابية في معظم العواصم العربية، وانتشار الجماعات المسلحة مثل حزب الله وداعش وغيرهما من الجماعات التي أصبحت متغلبة على الدولة ومؤسساتها، يُلاحظ أنه على الرغم من ذلك كله ثمة تزايدٌ في تأييد الفكرة الديموقراطية في المنطقة العربية". وقد أظهر المؤشر العربي ذلك، فقد خلصت "نتائج الاستطلاع إلى أنّ الأغلبية الكبرى من مواطني المنطقة العربية قادرةٌ على تقديم تعريفٍ ذي دلالة لمفهوم الدّيمقراطية؛ إذ قدّم 87% من المستجيبين إجابةً ذات محتوى ودلالة عند سؤالهم عن أهمّ شرط يجب توفره في بلدٍ ما، حتّى يُعدّ بلدًا ديمقراطيًّا. أمّا الذين أجابوا بـ "لا أعرف"، أو رفضوا الإجابة، فكانت نسبتهم 13% من المستجيبين. وإنّ تحليل أكثر من 16 ألف إجابة أوردها المستجيبون شروطاً يجب توفرها، وتصنيفها، يفيد بأنّ المواطنين العرب يفهمون الديمقراطية، من خلال ضمان الحريات والحقوق المدنية والسياسية وتحقيق العدل والمساواة وإقامة نظام حكم ديمقراطي، وتحسين الواقع
الاقتصادي للمواطنين، وضمان الأمن والاستقرار. قدّم 87% من المستجيبين تعريفاً ذا محتوى للفكرة الديموقراطية مقابل 89% العام الماضي، كما أيّد النظام الديمقراطي نحو ثلاثة أرباع المستجيبين (74%)، في حين كانت النسبة 72% في العام الماضي، مقارنةً بــ 17% فقط عارضوها. ولا شك في أنّ هذا "يعبّر بوضوح عن انحياز مواطني المنطقة العربية إلى النظام الديمقراطي، وضعف التيار الذي صرّح بمعارضته فكرةَ أنّ النظام الديمقراطي أفضل من غيره"، كما يوضح المؤشر في خلاصته.
وكانت النسب كالتالي: "88% من مستجيبي الأردن، و84% في تونس، و78% في مصر. وكانت أقلّ نسبة تأييد للنظام الديمقراطي في السعودية، حيث عبّر عن ذلك 53%، مقابل معارضة 17%، في حين رفض الإجابة أو قال "لا أعرف" 30% من المستجيبين.
ولما كان الاستطلاع يجرى في شكل سنوي، ويكرّر الأسئلة نفسها تقريباً، فإنه يعطينا فرصة نادرة لمقارنة تأييد الرأي العام العربي الفكرة الديموقراطية، مع تغير الظروف السياسية والأمنية المحيطة بكل بلد من هذه البلدان. ويُلاحظ أن التأييد الأكبر للفكرة الديموقراطية كان في عام 2013 (68%)، على الرغم من بداية التدهور في مراحل الانتقال في كل من سورية وليبيا. وارتفع أيضاً في العام 2016، حيث وصل إلى 72%، على الرغم من ظهور تنظيمات إرهابية، مثل داعش الذي استغل الفراغ الأمني في سورية والعراق. وبذلك يمكن القول إن الإيمان العربي بالفكرة الديموقراطية هو الأعلى، وإن كل محاولات الأنظمة السياسية التسلطية تشويه هذه الفكرة عبر الإعلام، أم عبر الممارسات السياسية، منيت بالهزيمة، فما زال العرب يطمحون إلى العيش في ظل نظام سياسي ديموقراطي، وهو ما يضع مسؤوليةً أكبر على الديموقراطيين العرب، لتقديم سياسات اقتصادية وأمنية، تتجاوب مع الأمل العربي في الديموقراطية، ولا تمثل انتكاسة لها.
وعليه، لم يعد من المهم كثيراً إذا كانت السياسة الأميركية تدعم الفكرة الديموقراطية أم لا. وبالتأكيد، لا تمثل هذه السياسة أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، لكن الرأي العام العربي قادر على الدفع بالفكرة الديموقراطية. ويمثل نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديموقراطي إحدى ثمار النضج الديموقراطي الذي عكسه هذا الاستطلاع للرأي العام العربي.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن