عن الضفدعة والأمير المتيّم

عن الضفدعة والأمير المتيّم

28 مايو 2018

ميغان ميركل عروسا.. عفوية وبساطة وشخصية قوية (19/5/2018/Getty)

+ الخط -
الأمر الوحيد الذي تغيّر هو تصوّر الناس ونظرتهم إلي.. هذا ما أجابت به ميغان ميركل، ردا على سؤال عما تغيّر فيها بعد اقترانها بالأمير هاري. ويدلل جواب بليغ مختصر كهذا على جوهر امرأة شديدة التميز، ذات شخصية قوية، تتمتع بالعفوية والبساطة والثقة الكبيرة بالنفس، بحيث لا تحتاج إلى أمير يأتيها من الغيب، بفعل تعويذةٍ كي يقلب حياتها، وينتشلها من حياة البؤس، لكي يتوّجها أميرة ذات جمال أخّاذ واستكانة وضعف واستلاب، يتدخل القدر لكي يخلصها، وفق الصيغة الساذجة لقصص الأطفال التي تربينا على قيمها السلبية، وشوّهت كثيرا من مفاهيمنا حول الحياة والحب.
ميغان ممثلة عملت بجد طوال حياتها، لكي تحقق اسما وحضورا في عالم التلفزيون والسينما شديد التنافس والتعقيد. وكذلك الناشطة الاجتماعية التي أرسلت الرسائل المندّدة إلى شركةٍ تنتج مواد التنظيف، عزّزتها برسائل إلى شخصيات نسائية مؤثرة، بحيث شكلت قضية رأي عام، احتجاجا على صيغة إعلان تجاري، اعتبرته مسيئا للمرأة الأميركية، حيث تضمّن الإعلان عبارة "النساء في أميركا يحاربن الدهون الملتصقة في الأطباق"، ونجحت في دفع الشركة إلى تغيير صيغة الإعلان! فعلت ذلك وهي في الثانية عشرة من عمرها، وواصلت، منذ ذلك الحين، بتشجيع من والدتها المعالجة النفسية، ومدرّبة اليوغا، اكتراثها بالشأن الاجتماعي، كما أنها خاضت تجارب الحياة بجسارة ووضوح. أحبت وتزوجت وأنجبت وتطلقت، وتمتعت طوال حياتها بالاستقلالية. وتميزت، على الدوام، بذلك الهدوء والاتزان الذي يميّزها عن معظم بنات جيلها من الممثلات.
وقد تعرّضت لهجومٍ شرسٍ من عنصرين يمينيين، بسبب الدماء الأفريقية التي تسري في عروقها من جهة أمها السوداء. ولم تشفع لها أصول والدها الهولندية، فاعتبروا اقتران الأمير بها تدنيسا للدم النقي الخالي من الشوائب، في حين رحب أغلبية الشعب بأميرتهم السمراء ذات الأصول المختلطة التي أضفت عليها صفات جمالية خاصة، ووجدوا فيها نموذجا قريبا منهم، ما أضاف إلى صورة القصر بعدا إنسانيا لم تنجح العائلة في استرداده منذ رحيل ديانا.
وقبل أن تصبح ميغان أميرة، فإنها ممثلة موهوبة، لها منجزها، تنتقي أدوارها باعتناء، وهي المتحدثة المؤثرة والفتاة البسيطة العفوية المولعة بالأزياء والجمال، البارعة في فن الخط والتصوير، التي تحب اقتناء الكلاب، وإعداد الأطباق الصحية والسفر. كان الصادم في الأمر تلك الموجه العنيفة من الانتقاد، عشية ظهورها البسيط والأنيق في حفل زفافها، خصوصا من النساء العربيات على صفحات "السوشيال ميديا" التي غصّت بالتعليقات اللاذعة التي طاولت لون بشرتها الأسمر، واستكثرن عليها الأمير العاشق الذي تزوجها، على الرغم من أنها مطلقة، ولديها أطفال من زواج سابق، وتكبره بثلاثة أعوام. واعتبرن ذلك مجرد حظٍ يفلق الصخر. كما انتقدن بشدة وجهها الذي بدا خاليا من المساحيق تقريبا، واعتبرن ذلك شحوبا وعدم درايةٍ بكيفية التجمل في غياب أطنان من الأحمر والأخضر الذي يحوّل الوجه إلى هيئة المهرّج الملطخ بالأصباغ. وانتشرت النكات، وكذلك بث صورة ابنة خاله الشقراء الجميلة، واتهامه بقلة الذوق وانعدام النظر.
ولعل أطرف التعليقات كان تعبير زواج الضفدعة بالأمير، في إشارة إلى عدم جدارة ميركل واستحقاقها هذا المجد، ذلك أننا، النساء العربيات، نتبنّى للأسف، في لا وعينا، النظرة الذكورية التي تلغي مزايا المرأة، وتفرّدها وتحققها وإنجازها وذكاءها، وتختصر كيانها كله في مقاييس لا تتعدّى الشكل الخارجي.
حين قالت ميركل إن شيئا لم يتغيّر فيها إثر الاقتران بالأمير، فإنها كانت تعبر عن نموذج المرأة الجميلة الذكية المتصالحة مع نفسها التي تحب الحياة، فتجود عليها بالحب الحقيقي الكفيل بجعل أمير دولة عظمى يشعر كم هو محظوظ بها.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.