ترامب المتأرجح بين طهران وبيونغ يانغ

ترامب المتأرجح بين طهران وبيونغ يانغ

28 مايو 2018
+ الخط -
بعد أن تفاءل العالم بالانفراج بين الكوريتين ونزع فتيل الأزمة، تراجع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وبدأ يرفع سقف مطالبه في مقابل تحسين العلاقة مع كوريا الشمالية. وبعد أن كاد الاتفاق النووي الإيراني يمضي قدماً، نسفه ترامب بالانسحاب منه، التزاماً بوعده الانتخابي. لكن ثمة فوارق مهمة بين الملفين، فقد دخل ترامب البيت الأبيض، ولديه تصور مسبق وقرار جاهز بتعطيل اتفاق نووي مبرم بالفعل. أما موقفه من كوريا فقد تطور بشكل درامي غير مخطط له، ولا يزال يتغير بصورة شبه يومية.
ليست المعضلة الأميركية مع الدولتين فنية ولا قانونية، فكوريا الشمالية امتلكت بالفعل قدرات نووية، وانتهى الأمر. بينما الاتفاق النووي الإيراني مشوبٌ، من الناحية الفنية، بملاحظاتٍ قابلة للتعديل، أو على الأقل التفاوض حولها. ولو أرادت واشنطن تعديل الاتفاق، لطلبت ذلك، ولما ذهبت سريعاً إلى نهاية الطريق بالانسحاب. وبإلغاء الاتفاق واستئناف العقوبات من طرف واحد، يكون ترامب قد حرق المراحل، وذهب إلى نهاية طريق التصعيد من اللحظة الأولى.
ومما يزيد صعوبة الموقف الأميركي، ومحدودية خيارات ترامب، موقف الأطراف الأخرى. في حالة إيران، هناك أوروبا التي تقف حائرةً بين واشنطن وطهران. وسيعاني الأوروبيون كثيراً نتيجة خروج واشنطن من الاتفاق، حيث ستطاولهم وطأة العقوبات الأميركية. إضافة إلى العبء السياسي والفني الذي ستتحمله القارة العجوز في سبيل الحفاظ على الاتفاق، واستمرار العمل به. ومن اللحظة الأولى بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، وجد الأوروبيون أنقسهم مطالبين، من جهة طهران، بضماناتٍ تطمينيةٍ بشأن تنفيذ الاتفاق، ومواجهة العقوبات الأميركية، وأي تصعيد أميركي آخر محتمل. ومن جانب واشنطن، بضرورة الضغط على إيران، وتقليم أظافرها، النووية والسياسية. والمعضلة هنا أن الأطراف الثلاثة تدرك جيداً أن الاقتصاد هو المدخل والأداة لتحقيق أهدافها المتعارضة.
في الحالة الكورية، يتعامل ترامب مع دولة نووية. ومساحة التفاوض أو الضغط عليها تنحصر في الحد من أنشطتها النووية، وتحجيم سلوكياتها التي تمثل استفزازاً لجاراتها. لذلك، جاءت شروط ترامب وطلباته من نظيره الكوري الشمالي غير منطقية. وكأنها وضعت لترفض، إذ لا يوجد مبرّر عقلاني لأن تتخلى بيونغ يانغ عن قدراتها أو بعض منها. من دون مقابل حقيقي مناسب، ليس فقط من واشنطن، وإنما أيضاً من الدول الغربية الأخرى، خصوصاً اليابان والاتحاد الأوروبي. والواقع أن أوروبا غير معنية كثيراً بالأزمة الكورية، بينما تأتي سياسة اليابان تجاهها على استحياء، بضغط من واشنطن. الطرف القوي هو الصين، الحليف الرئيس لبيونغ يانغ. وهي التي أقنعت كيم يونغ أون بالانخراط في التفاوض وعدم تفجير الموقف مع واشنطن.
يواجه ترامب طرفين، أحدهما قوي والوسطاء بينهما أيضاً أقوياء (كوريا/ الصين). ولدى الآخر نقاط ضعف والوسيط بينهما في حرج حقيقي (إيران/ أوروبا). وبينما لم يكتمل بعد مشوار إيران النووي، فإن الطرف الذي يستقوي به ضد إيران (أوروبا)، ضعيف، ومصالحه تتعارض مع أهداف ترامب. في حين يمكن التأثير على قرار بيونغ يانغ من خلال الدبلوماسية المباشرة التي دشنها ترامب مع بكين. لكن من دون مكاسب حقيقية سوى الاختراق الإعلامي والدبلوماسي، فليس لدى كوريا الشمالية مشروع لم يكتمل، كما هو حال إيران.
لا يبدو أن ترامب يدرك تلك المفارقة بين حالتي طهران وبيونغ يانع، فلا يزال متأرجحاً في الملفين بين التشدد والتردد. بعد أن أعلن إلغاء القمة مع أون، عاد في اليوم التالي مباشرة ليقول إنها ربما تنعقد. وبعد أن دفع وزير خارجيته الجديد، مايك بومبيو، ليعلن لائحة شروط تعجيزية، مطلوب من إيران تنفيذها بضمانة أوروبية، تراجع خطواتٍ، لينتظر ما ستسفر عنه المشاورات الأوروبية الإيرانية.
هذه مشكلة ترامب المتردّد، أو بالأحرى المتأرجح، بين التشدد مع طهران والتودد إلى بيونغ يانغ. فهو لا يملك أدوات فرض إرادته عليهما بشكل منفرد. ويريد، في الوقت نفسه، أن يجر الأطراف الأخرى وراءه في مواقف وقرارات قد يتراجع عنها في أي لحظة.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.