عن أزمة لاجئين في السودان

عن أزمة لاجئين في السودان

26 مايو 2018
+ الخط -
يمرّ ضحايا اللجوء الذين علقوا في السودان بتجربةٍ أقرب إلى التي كانوا يعانون منها في بلدانهم. فالمجتمع الدولي بدأ التخلي عن التزاماته تجاههم، بأن علقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة برنامج إعادة توطينهم. ما يعود إلى تحقيقين جاريين، يتعلقان بفضيحة الكشف عن رشاوى وفساد مستمر عدة سنوات بخصوص مقابلات إعادة التوطين والإجراءات المصاحبة له.
وإذ كان معظم اللاجئين مرّوا عبر لجوءٍ مزدوج من بلدانهم إلى السودان، ففي قلب القارة الأفريقية، يتكثّف اللجوء باعتباره أحد ظواهر الهجرة القسرية. وتفيد تقديرات العام الحالي (2018) بأنّ عدد طالبي اللجوء في السودان 460 ألفا، معظمهم من إريتريا وإثيوبيا، بالإضافة إلى أعداد مقدّرة من سورية. وتقول إحصائيات حكومية موثقة إنّ ألف شخص يعبرون الحدود الشرقية للسودان كل شهر، قادمين من إريتريا. ويُعتبر السودان من دول المعبر الرئيسة لهؤلاء اللاجئين الذين غيّرت ملامحهم سنون النزاع، وشتات الضنى، والتسكع بين معسكرات اللجوء، وذلك إما لمواصلة التسلل إلى الشواطئ الليبية في طريقهم إلى أوروبا أو في انتظار مكاتب مفوضية اللاجئين، لتوزيعهم، حسب حصص محدّدة، على دولٍ يرسمون فيها هوياتهم الجديدة.
تتكفّل المفوضية السامية للاجئين بإعادة توطينهم بنقلهم من بلد اللجوء إلى دولة ثالثة، وافقت على قبولهم ومنحهم الاستقرار الدائم فيها، باعتبارها الحل الوحيد الذي ينطوي على هذا 
الإجراء. بدأت إعادة التوطين تتحول إلى وظيفةٍ غير معلنةٍ لإدارة الهجرة. وليس من المصادفة أنَّ بعض الدول التي تتمتع بأقوى تقاليد إعادة التوطين هي نفسها التي يُنظَر إلى اللجوء فيها بدرجةٍ من الشك، كما يحدث حالياً في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أنّ مكاتب المفوضية في السودان تتولى تنسيق الدعم مع الوزارات المعنية والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة، إلّا أنّ هذه الخدمات متواضعة مقارنةً مع احتياجات اللاجئين من جنسيات مختلفة. وقد أثار هذا الأمر ضجة كثيفة، لإعادة النظر في منهج منظمات الأمم المتحدة في الدول الأفريقية التي تشجع أو تغضّ الطرف عن الفساد الحكومي والفردي.
وهناك أيضاً مآخذ أخرى، فغير النقص في التمويل والمساعدات المادية، هناك قصورٌ واضح فيما توفره الجهات المانحة من رعايةٍ صحيةٍ وتشويشٍ بين احتياجات اللاجئين الحقيقية وشروط إعادة التوطين التي تفرضها التقارير. وهناك قضية تمس الكرامة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين، إذ يقتضي حصول اللاجئ على نوع من المساعدة الاجتماعية والمادية وإعادة التوطين؛ الحصول على تقرير الطبيب النفسي الذي يشير إلى أنّه يعاني من اضطرابٍ شديدٍ ما بعد الصدمة، جرّاء تعرضه لأحداث مؤلمة، ما يمنعه من ممارسة حياته اليومية.
ويكمن الأثر الخطير من ضمن أمور أخرى في تحوّل اللاجئ إلى ضحيةٍ مسلوب الإرادة غير قادر على تمثيل نفسه. عالجت هذا الأمر دراسات متخصصة رأت أنّ تصنيف المعاناة الإنسانية والخسارة جرّاء الحرب بواسطة مصطلحات طبية "أعراضا اضطرابية"، وإضفاء صفة المرض على ردود الأفعال الإنسانية للانتهاكات السياسية الجماعية والآفات والكوارث، قد يؤدي إلى وصم اللاجئين. ويعزّز هذا الأمر من شعور اللاجئ بالعجز، وتجريده من إنسانيته، ويفاقم من أثر حالات التشرد والعذاب التي تحتّل روحه. ويتمظهر اللجوء عنده بأنّه حالة خروجٍ من فخ الموت، تدخله مصيدة نفسية أخرى، تجعله عرضةً للعنف والعنف المضاد.
لم يكن دور السودان فيما يتعلّق باللاجئين على أرضه قد خضع من قبل لأيّ من المعايير سوى المتحققة بفعل الضغوط الدولية ملتبسة مع المعايير الإنسانية، ولذا كانت الصورة مزدوجة، فبينما يحتضن السودان لاجئين كثيرين، حلّ السودانيون أنفسهم في المركز الثاني في عدد اللاجئين الذين يحتاجون لإعادة توطين خارج بلادهم، حسب تقرير احتياجات إعادة التوطين المتوقعة الذي أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتتقاطع هذه الوقائع مع تزويد الاتحاد الأوروبي حكومة السودان بالمال والعتاد لمواجهة أمر 
الهجرة غير الشرعية إلى دوله. وفيما بعد أعلنت الحكومة السودانية أنّها ومنذ شهر يونيو/ حزيران 2016، قد نشرت آلافا من قوات الدعم السريع (جزء من مليشيا الجنجويد)، على الحدود بين السودان وليبيا لوقف عبور اللاجئين. وثبت ذلك بإعلان قائد مليشيا الدعم السريع، محمد حمدان حميدتي، إن قواته تقوم بمهام كبرى في إطار وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، بل وصف عمله بأنّه دفاع عن الأوروبيين، وطالب دول الاتحاد الأوروبي بالدفع، مهدّداً بوجود عدد منهم قبضت عليهم قواته.
لا تساهم هذه المساعدات في كبح جماح الهجرة واللجوء إلى أوروبا، إلّا على مستوى التسكين الذي سرعان ما يزول بزوال المؤثّر. ويُتوقّع نضوب هذا المورد وعدم استمراره، نظراً للأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي نفسها، خصوصا أنّ مفوضية اللاجئين أكدت أنّ وعود المساهمات من الدول الأعضاء لم يتم الإيفاء بها.
اللاجئون في محنة بين تخاذل المفوضية ومجازفات التسلّل، وذلك كله تحت ظروف السودان الذي استجاروا به يقفون عند محطته بانتظار إعادة التوطين. وهذا الوضع هو أدعى إلى التعاطف الدولي، لا إغراقهم في مزيدٍ من المهانة والبؤس، بديلا من إلقائهم إلى التهلكة على أيدي عصابات التهريب وتجار البشر.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.