ما توضحه الانتخابات

ما توضحه الانتخابات

24 مايو 2018
+ الخط -
بعد الثورات والتحرّكات التي حدثت في بلدان عربية، أصبحت الانتخابات الطريق الذي سلكته "الدول الجديدة"، وفي الدول التي لم يفضِ الحراك إلى تغيير. وقد أُجريت انتخابات في تونس ومصر والمغرب وليبيا والعراق، تراوحت المشاركة فيها بين المرتفعة في المراحل الأولى بعد الثورات إلى المنخفضة بعد ذلك. وأخيرا، جرت انتخابات بلدية في تونس، وبرلمانية في العراق ولبنان، وقبلها انتخابات رئاسية في مصر.
ما ظهر في انتخابات مصر وتونس والعراق أن نسبة المشاركة باتت ضئيلة، خصوصاً بين الشباب، حيث ربما لا تصل إلى 10%، أو في الحدّ الأعلى 30%. وتشير هذه النسبة إلى "اليأس" من إمكانية التغيير من خلال صناديق الاقتراع. ويطاول هذا الأمر الشباب الذي صنع الثورات، أو شارك في الحراك الذي راهن على أن إزاحة الرئيس كافيةٌ لفتح طريق التغيير، وكثير منه اعتقد أن المسار الديمقراطي هو هذه الطريق، فجرّب الأحزاب المشاركة من دون أن يجد لديها حلولاً للمشكلات التي يعيشها. على العكس، زادت المشكلات، وزاد النهب، والفقر والبطالة. وبهذا، أصدر حكماً بـ "الإسقاط" على مجمل الأحزاب المشاركة في "المسار الديمقراطي"، أو "العملية السياسية". وبات يعتقد أنها لا تستحق أن تحكم، لأنها لا تمتلك حلولاً فقط، بل إنها ممعنةُ في النهب وسحق الشعب. وعلى ضوء ذلك، لم يجد مَنْ ينتخبه، فقاطع بلا تردّد.
يمكن أن ندقق في وضع هؤلاء المقاطعين أولاً، فلا شك في أن ضمن هؤلاء نسبة من اللامبالين، أو غير المعنيين بكل مشاركة أصلاً. ولكن سنجد أن نسبة كبيرة من الشباب المقاطع بوعي، لأنه لا يجد من الأحزاب القائمة ما يمكن أن يعتبر أنه يشكّل بديلاً يعبّر عن طموحه، ويلمس مطالبه، أو يثق فيه. ولهذا اعتبر أن الأفضل المقاطعة. وبات في الأساس لا يجد في الانتخابات طريقاً إلى التغيير، حيث "المسار الديمقراطي" ليس طريق التغيير، والذي يفترض إعادة بناء النظام الاقتصادي السياسي ككل، بالتالي يريد تحقيق التغيير الجذري لبنية الدولة والاقتصاد. تشير هذه الحالة إلى اتساع المسافة بين مطالب هؤلاء وما تطرحه الأحزاب من شعارات، أو ما يظهر في ممارستها، ويفضي إلى التشكيك في جدّيتها، أو كشف فسادها. لهذا يلمس هؤلاء أن طريقهم هو غير طريق هذه الأحزاب، ومطالبهم غير مطالبها، بالتالي كان من الطبيعي أن تحدث القطيعة بين مجمل الأحزاب القائمة وهؤلاء المقاطعين بوعي ومعرفة. وقد ظهر أن نسبة هؤلاء كبيرة، وأكبر من المشاركين في التصويت. وهم الأكثر فاعليةً، والذين يميلون إلى تحقيق التغيير الجذري عبر الاستمرار في الصراع.
وربما نلمس في انتخابات تونس والعراق أن هناك مَنْ لا زال يراهن على الانتخابات، بات يميل إلى انتخاب أحزابٍ ليست التي باتت مكشوفة تماماً، بل تملك بعض الميل نحو تجسيد مطالب شعبية، ويمكن أن يُطلق عليها يسار موضوعاً بين قوسين. إذن حتى من المشاركين في الانتخابات بات هناك من يريد نمطاً آخر من الأحزاب الذي هو "ذو لمسة يسارية"، أو "مدنية" أو "وطنية". أي أنه يلبي بعض مطامحهم، ولهذا يشاركون في الانتخابات، وهم في الغالب مناصرو أحزاب قائمة، بدت لهؤلاء مختلفة عن الأحزاب الأخرى. وسوف يكتشف هؤلاء أن "المسار الديمقراطي" لن يفضي إلى تحقيق مطالب حقيقية، وإنْ كان يشكّل "حالة اعتراضٍ" على وضع قائم.
لذلك كله معنى، وهو أن الشعب يريد بديلاً مختلفاً، وأن معظمه لا يجد في الانتخابات طريقاً إلى التغيير. بالتالي، سوف ينفجر الاحتقان المجتمعي من جديد، لتحقيق التغيير عبر الثورة. وتوضح هذه الوضعية أن الثورة هي طريق التغيير وليس أي مسار آخر، ولكن لا بدّ من بديل لكي تنتصر. هذا ما ينقص الوضع الثوري الراهن.