الحق لا تغيره موازين القوى

الحق لا تغيره موازين القوى

22 مايو 2018
+ الخط -
الذين سقطوا في فخ الكاميرا الخفية، وأفصحوا عن استعداد بعض التونسيين التعامل مع إسرائيل في مقابل الحصول على مالٍ، لا يمثلون تونس أو الشعب التونسي. صحيحٌ أن بعض الأسماء معروفةٌ لدى الرأي العام، إلا أن العملة المزيفة لا يمكن أن تعوّض العملات الصحيحة. وهو الوجه الآخر الذي عكسه هذا البرنامج الذي ينتظر السماح له بالبث. إذ في المقابل، بادر آخرون ممن تم إيهامهم بأنهم في مقرٍّ غير معروف للسفارة اليهودية في تونس بمغادرة المكان، واشتبكوا لفظياً مع الممثلين الذين تقمصوا شخصياتٍ قيل إنها إسرائيلية.
تتغير ملامح فلسطين الجغرافية بسرعة لصالح العدو، كما لا يمكن الاستهانة بالتداعيات الخطيرة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وهو القرار الذي سيفتح الباب أمام الإسراع في نسق تهويد هذه المدينة الاستراتيجية. وعلى الرغم من الصمت الدولي المخيف، والعجز العربي الممزوج بتحول المواقف وتغيير حسابات بعضهم وولائهم، إلا أن ذلك كله، على أهميته وما يخفيه من دلالات خطيرة، ليس كافياً للقول إن القضية الفلسطينية قد طويت صفحتها أو تكاد، وأن الحركة الصهيونية العالمية أنجزت أهدافها الكبرى التي رسمها قادتها في مؤتمرهم الشهير الذي عقدوه في مدينة بازل السويسرية.
مؤكّدٌ أن إسرائيل والقوى الدولية المتحالفة معها قد فشلت حتى الآن في إيجاد حاضنةٍ شعبيةٍ لها من داخل المنطقة العربية، وحتى الإسلامية، على الرغم من الاختراقات الدبلوماسية التي حققتها على أكثر من صعيد، فالدول التي نجحت في إقامة علاقات دبلوماسية معها، مثل تركيا ومصر والأردن، لم تتمكن من كسب ود شعوبها التي لا تزال غير قابلة للتعامل معها "دولةً صديقةً". فهذه الشعوب لم تستشرها حكوماتها بشأن مسألة التطبيع مع الدولة العبرية، ولم تؤيد بشكل ديمقراطي هذا التطبيع الفوقي، ولا تزال هذه الشعوب محتفظة في أعماقها بموقفها الرافض المشروع الإسرائيلي الاستيطاني في فلسطين.
هناك التاريخ والثقافة لا يزالان يكيفان مشاعر الشعوب، ويجعلانها لا تتأثر كثيراً بالمتغيرات الجيو سياسية الجارية منذ فترة بنسقٍ سريع، فهناك خطان متوازيان، لكنهما لم يلتقيا إلى حد هذه الساعة، خط التطبيع الرسمي أو النخبوي المتأثر بموازين القوى الدولية، وفي المقابل خط المشاعر الشعبية الرافضة بقوة لمشروع الدولة العبرية، فلا وسائل الإعلام، ولا الخطاب التطبيعي بكل مقوماته، ولا العولمة المهيمنة، ولا منطق القوة الذي تمارسه تل أبيب تحت غطاء أميركي فج، لم يؤدِّ ذلك كله إلى إعادة صياغة أعماق الشخصية العربية والإسلامية في اتجاه التخلص كلياً من هذا التاريخ وهذه الثقافة.
يشكل هذا الحاجز النفسي الجدار الأخير في استراتيجية الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة. وقد يبدو هذا الجدار ضعيفاً ومتهاوياً أمام هذه الغطرسة والتوحش، إلا أنه في الحقيقة هو سميك وصلب، وهو الذي يقف وراء هذه الانتفاضات المتتالية لشبابٍ لم يعش الهزائم السابقة، ولم يمر بمختلف مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، لكن ذاكرتهم تختزن هذا التاريخ الدامي الذي يجعل منهم، من حين إلى آخر، كتلة ثائرة، لا يعرفون الهدوء، يستيقظون صباحاً، يودعون أسرهم، يلتحمون مع أصدقائهم، يهتفون باسم فلسطين، يستعملون الحجارة باعتبارها سلاحهم الوحيد، وينتظرون رصاصةً موجهةً إلى صدورهم العارية، ليلتحق بعضهم بقافلة الشهداء الأبرار.
أين القيادات السياسية الفلسطينية مما يجري؟. على الرغم من حجم الكارثة، ومن الزخم الثوري الحاصل، يستمر الانقسام السياسي والجغرافي البغيض، ويستمر معه تبادل التهم والتراشق الإعلامي بين حركتي فتح وحماس، ما يؤجج الصراع ويفسد النفوس، ويمكّن الأطراف المتآمرة على القضية من التسرب وتعميق الشقوق، والعمل على التعجيل بهدم البيت الفلسطيني.
هذا سلوكٌ غير مسؤول، ولا مبرر له في هذه المرحلة. وفي حال استمراره، فإنه سيشكل خدمة موضوعية للعدو، كما أنه قد يؤثر سلبياً على حماس الشباب، ويجعل دماءهم تذهب هدراً. إنه تحدٍّ آخر، يضاف إلى بقية التحديات. عليهم مواصلة نضالهم غير المتوازن مع العدو من دون المراهنة كثيراً على طبقتهم السياسية المتهرّئة.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس