مصر في يوم حرية الصحافة

مصر في يوم حرية الصحافة

03 مايو 2018
+ الخط -
تُختار مصر، من دون غيرها، في العنوان أعلاه، لأنها تتقدّم كل الدول العربية في أحدث تقارير منظمة مراسلون بلا حدود، بخصوص بؤس حال الصحافة وحرياتها، بل تحظى أيضا بالموقع الثالث عالميا في عدد الصحافيين المحبوسين فيها. ومن المفارقات أنها وتركيا متخاصمتان، لكنهما تشتركان في تصدر دول العالم في هذه الصفة السيئة. وثمّة أيضا حزمة أسبابٍ مضافةٍ لانتقاء مصر هنا، أولها أنه محزنٌ إلى حد الأسى أن تنحطّ حريات التعبير في هذا البلد، الرائد بخصوص دسترة التعدّدية، إلى مستوىً رثٍّ في صحافاته وتلفزاته، ليس فقط بخصوص ذيليتهما بالسلطة وأجهزتها (وإنْ تُصادف في الصحافة المكتوبة استثناءاتٍ جديرةً بالاحترام). ومن الأسباب الأهم أيضا الهيجان الذي أصاب الدولة المصرية، حكومةً وبرلمانا، وأبواقها الإعلامية، بعد إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) منحها جائزتها العالمية لحرية الصحافة لعام 2018 للمصور الصحافي، محمود أبو زيد (31 عاما)، والذي تعتقله السلطة منذ أزيد من أربع سنوات حبسا احتياطيا، لا لشيءٍ إلا لأنه كان في الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في صيف 2013، يلتقط الصور. ومن المرتقب أن يُعلن اليوم استحقاقُه هذه الجائزة الدولية بمناسبة اليوم العالمي للصحافة. ويكشف التوتّر الذي أحدثه هذا الأمر لدى وزارة الخارجية المصرية أن حالة فزعٍ كبرى أصيب بها نظام الحكم الراهن، بسبب هذا التكريم المرموق، فقد ارتدت الوزارة المذكورة ثوب الادعاء العام لمّا نعتت الصحافي المحتجز بأنه متهمٌ بارتكاب "أعمالٍ إرهابيةٍ وجرائم جنائية، منها جرائم القتل العمد". 

يستفظع أي عاقلٍ تجرؤ الخارجية المصرية على إشهار زعمٍ بهذه المقادير الثقيلة، يكشف، للمرة المليون على الأقل، أن مصر تحت مظلة السلطة الراهنة تُسرع القهقرى في هبوطها إلى القاع الذي نرى. وأن يتطوّع زعران فضائياتٍ مصريةٍ معلومةٍ في التطاول على "يونسكو" التي "خطفتها قطر واشترتها قناة الجزيرة"، بحسب فكاهياتهم، فذلك شاهدٌ على صدق قول الشبكة العربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مجتمعٍ مدنيٍّ مصريةٍ، أخيرا، إن الصحافة المصرية أسيرة أجهزة الدولة المعادية لحرية الصحافة وحرية التعبير. ولا شيء يدلّ عليه حبس محمود أبو زيد (شوكان) منذ أكثر من أربع سنوات، من دون محاكمةٍ له، ومن دون أي قرينةٍ على ما تشيع الأجهزة عنه، سوى أن الصور التي التقطها إبّان اعتصام ميدان رابعة وفضّه الدموي وثائق تدين سلطة الانقلاب العسكرية، وتؤكّد كذب رواياتها عمّا كان في الميدان. وقد كان تكريم أبو زيد بنيله جائزة لجنة حماية الصحافيين، في حفلٍ في نيويورك العام الماضي، واحدةً من مناسباتٍ لا تتوقف في فضح رداءات السلطة في مصر، سيما أن أخبارا جاءت على تعرّض الشاب المصور للتعذيب في السجن.
ومن الرداءات المُشار إليها هنا أن 20 صحافيا معتقلون حاليا في مصر، 12 منهم لم يُدانوا بشيء، ويجري طبخ الاتهامات التي يُرمون بها من دون احترامٍ لأي اعتبارٍ أو أي أخلاقٍ. وأنْ يُحبس صحافي، لأنه نشر مقابلةً في موقع إلكتروني مع شخصية عامة، في وزن هشام جنينة، فهذه واقعةٌ غير مسبوقةٍ عربيا، ونظنّها نادرةً في العالم. ويحدث ذلك كله معطوفا على إغلاق مواقع إلكترونية محلية، وحظر أخرى عربية، فضلا عن تحشيدٍ مخابراتيٍّ لمذيعي الفضائيات في جولاتٍ من التطبيل الرديء لعبد الفتاح السيسي لا تتوقف. ومن شديد الأسف أن مصر، وليس غيرها، ذات الدور الريادي والعتيد، والغزيرة الكفاءات والطاقات والقدرات المهنية، حال الإعلام فيها لا يبعث على غير التندّر عليه، من فرط كاريكاتورية الزيف الفائضة فيه. أما إذا قال قائلٌ إن حال حريات الرأي والتعبير والصحافة في عموم البلاد العربية ليس مرضيا، وإن مصر ليست استثناءً، فهو قولٌ صحيح، وإنْ بمقادير، لكن مصر، بوزنها الثقافي الخاص، لا يجوز أن تكون في هذا المطرح أبدا، ولا يليق أن تُراكم أرطالا فوق أرطالٍ في سوء السمعة.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.