ترامب يضيّق الخناق على الحريري

ترامب يضيّق الخناق على الحريري

20 مايو 2018

ترامب والحريري في واشنطن (25/7/2017/Getty)

+ الخط -
شحطة قلم من دونالد ترامب، نقلت لبنان من التباهي بإنجاز استحقاق الانتخابات النيابية إلى الغرق المفاجئ في أزمة حكم طويلة تلوح في الأفق، فقد قرّر الرئيس الأميركي تنغيص الفرحة على معظم الأحزاب والتيارات السياسية التي راحت تحتفل بالنصر، وتعدّ المقاعد التي حصدتها. وذهب بعضها إلى أبعد، معلنا أنه بات سيد اللعبة السياسية، وراح يطلق شروطه بشأن تأليف الحكومة الجديدة، فبعد أسبوع على إعلان النتائج، اتخذت وزارة الخزانة الأميركية قرارا بوضع قادة حزب الله على لائحة الإرهاب، وفرضت عقوبات أول مرة على زعيم الحزب نفسه، حسن نصرالله، ونائبه نعيم قاسم، ومعاونه السياسي حسين الخليل، وسبعة قياديين آخرين، وعلى شركات تابعة للحزب أو على علاقة به.
طبعا، ليس أمرا جديدا تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، فقد وضعته الولايات المتحدة، منذ زمن، على لائحة الإرهاب. لكن قرار استهداف نصرالله شخصيا، ومعه أبرز المعاونين والمقربين، وفي هذا التوقيت بالذات، يحمل أكثر من بعد ودلالة. الأول سياسي بامتياز، إذ ليس لزعيم حزب الله حسابات في المصارف أو أملاك، أو أصول وفروع باسمه، ولا حتى حزب الله يملك حسابات باسمه في المصارف في الخارج، أو في لبنان، كي يتم مصادرتها أو وضع اليد عليها. هناك شركات تجارية ورجال أعمال وأفراد يتعاملون مع حزب الله، ويعملون لصالحه، ويسهلون له عمليات تجارية تدر عليه أموالا، ويؤمنون له نقل أموال إيرانية وغير إيرانية.
العقوبات التي فرضت على قادة حزب الله تعني بالتالي أن الإدارة الأميركية أرادت زيادة 
الضغط وتشديد الحصار عليه وتسريعه. كان القرار قد اتخذ، قبل أشهر من الانتخابات، وحتى منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، لكن قرار تشديد الضغط والتسريع يعود إلى مجموعة أسباب، أولها تعجيل ترامب في إعلان خروج إدارته من الاتفاق النووي مع إيران، والضغط بالتالي على كل فروعها وملحقاتها على الصعيد الإقليمي، وخصوصا وضع حزب الله في لبنان، ذراعا مسلحا لإيران ودويلة ضمن الدولة، ودوره الداعم لنظام بشار الأسد في سورية. والسبب الآخر هو إيصال رسالة واضحة وتحذيرية إلى السلطة في لبنان، وتحديدا إلى رئيس الجمهورية، ميشال عون، ومعه سعد الحريري الذي يستعد للعودة إلى الحكومة التي يجب أن تتشكل بعد الانتخابات. فقد نام "التيار الوطني الحر" (العوني) على حرير نتائج الانتخابات التي مكّنته من زيادة عدد نوابه (28 مقعدا) والتربع على عرش الأكثرية، فيما اكتسح "الثنائي الشيعي" (حركة أمل التي يتزّعمها نبيه بري وحزب الله، 30 مقعدا) جميع المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية، وتمكّن عبر قانون الانتخاب الجديد القائم على مبدأ النسبية، من إيصال نواب من الطوائف الأخرى والمعارضين بعضهم للحريري والبعض الآخر لعون، وخصوصا ضمن صفوف الطائفة السنّية. كما عادت إلى البرلمان وجوه تابعة للنظام السوري. وراح الطرفان يتنافسان على زعامة الأكثرية، فيما أصيب زعيم تيار المستقبل بنكسة مدوية (هبط من 33 إلى 20 مقعدا) ما أبقاه على زعامة الطائفة السنية، وإنما بعد أن تحول أسيرا لحسابات الطرفين الكبيرين (العوني والشيعي). وها إن الحريري يستعد للتربّع مجدّدا على رئاسة الحكومة، ولكن بشروط كل منهما غير المتطابقة تماما، إضافة إلى شروط بعض الكتل الأصغر.
وقد برهن الحريري أن لا مشكلة لديه في التعاون مع الجميع، ومحاولة التوفيق بين مطالب هذا وذاك، بمن فيهم حزب الله نفسه شريكه في الحكومة الحالية، على الرغم من أنه متهم من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال والده رفيق الحريري. طبعا، يفضل الحريري ويهمه التعاون مع "التيار العوني"، انطلاقا من التسوية - الصفقة التي حملت في نهاية 2016 عون إلى الرئاسة وإعادته هو إلى رئاسة الحكومة. وهو اتفاق لم يرق للسعودية، لكن الحريري أراده كي يتمكّن من إعادة الاعتبار لنفسه وتحريك عجلة أشغاله ومشاريعه بعد النكسة التي أصيب بها من جرّاء تدهور علاقته بالمملكة في السنوات الأخيرة. وهذا ما بدأ يحصل بعد عودته إلى الحكومة، لكن الحكم في لبنان بات توافقيا، على الرغم من نظامه الديموقراطي البرلماني، القائم على الأكثرية والأقلية. والتوافق بدعة فرضها "الفريق الممانع" منذ اغتيال الحريري عام 2005، بسبب عدم تمكّنه من الحصول على الأكثرية، إضافة إلى آفة نظام المحاصصة الطائفية الذي حول لبنان إلى فيدرالية طوائف. ومن هذا المنطلق، لا يمكن للحريري أو لغيره تشكيل حكومة من دون مشاركة حزب الله، وإلا تضامنت معه حركة أمل، ليرفعا معا راية المطالبة بحقوق الطائفة الشيعية التي وضعت خارج السلطة!
وهذه المرة أدخل حزب الله عنصرا جديدا على التركيبة الحكومية، مصعبا مهمة الحريري عبر مطالبته بتمثيله بنصف المقاعد الوزارية المخصصة للطائفة الشيعية، بعد أن كان يرضى بمقعد أو اثنين على الأكثر وبحقائب ثانوية. كان هدف حزب الله في السابق هو فقط الحضور على طاولة مجلس الوزراء، وقبل عام 2005 لم يشارك في أية حكومةٍ من الحكومات. كان يكفيه ذلك قبل اندلاع الثورة في سورية، وتورّطه في الحرب هناك إلى جانب النظام. أما اليوم يطالب أيضا بحقائب نوعية ومؤثرة داخل إدارة الدولة ومؤسساتها، لأنه لم يعد مرتاحا للتطورات على الأرض في سورية، نتيجة غرق الحليف الروسي في أوحال الحرب، وانسداد الأفق السياسي للحل، وخصوصا بسبب تصاعد الضغوط الأميركية على إيران، وبالتالي عليه. مصادره تبدي عدم اكتراثها للعقوبات الأميركية عليه، مؤكدة أن لا مفاعيل لها، لا في الداخل
 ولا إقليميا. وفي الحقيقة، يريد حزب الله أن يحمي نفسه وسلاحه عبر التغلغل في باطن الدولة، والتحكّم بالقرار، بعد أن تمكّن من فرض رئيس جمهورية يرتاح إليه وتيار سياسي مسيحي عريض (التيار الوطني الحر) يؤمن له غطاء داخليا وقبولا في الشارع المسيحي. يريد أن يطمئن إلى الداخل، و"يحمي ظهره"، في حال اضطر إلى الانسحاب من سورية. وقد ألحق أحد المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية القرار بالقول: إذا استلم مسؤولون في حزب الله مواقع حكومية، فستكون هناك عواقب كارثية على لبنان. وهذا هو بيت القصيد. يريد ترامب أن يحاصر نصرالله، ويمنع حزبه من السيطرة على مقدّرات الدولة في لبنان، وخصوصا بعد أن وسع حزب الله نفوذه باتجاه البرلمان، معزّزا بخطوة ذكية من حليفه نبيه بري، العائد حتما إلى رئاسة البرلمان، والذي يستعد لتشكيل تكتل نيابي واسع عابر للطوائف، ويمثل أكثر من ثلث عدد النواب.
فكيف للحريري أن يشكل حكومة "وحدة وطنية"، يشارك فيها وزراء من حزب تصنف الإدارة الأميركية زعيمه إرهابيا؟ وكيف سيتعامل حزب الله مع الأمر؟ هل يصرّ على المشاركة أم يلتف على العاصفة، مفضلا أن يتمثل بمقرّبين؟ وهل للأحزاب الأخرى أن تقبل بمثل هذه المشاركة مثل حزب القوات اللبنانية، العائد إلى البرلمان بكتلة وازنة، يوازي عدد نوابها ضعف ما كانت عليه سابقا، ورئيسه سمير جعجع يعلن أن من ضمن شروط مشاركته في الحكومة ضبط سلاح حزب الله تحت إمرة الدولة وقواتها المسلحة. وهكذا، قبل أن تكتمل فرحة بعضهم بنتائج الانتخابات وحسابات الربح في السياسة ربما سيجد الحريري نفسه، بعد سرعة التكليف، مضطرا للتعايش مع دوامة أزمةٍ طويلةٍ، تدفعه إلى الاعتكاف أو حتى الاعتذار.
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.