"الصفقة" ومعادلة غزة

"الصفقة" ومعادلة غزة

20 مايو 2018
+ الخط -
خرج رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في خطبة يوم الجمعة ليعلن أن هناك "خطوات جادة وحقيقية على طريق رفع الحصار عن قطاع غزة". لا شك أن مثل هذا الكلام يشكل بشرى سارة لأهل القطاع الذين يعانون وحدهم من تداعيات الحصار الجائر والمستمر منذ أكثر من عشرة أعوام. كانت لكلام هنية ترجمة فعلية على الأرض مع الإعلان المصري عن فتح معبر رفح طوال شهر رمضان، وهو الذي كان يفتح أياما قليلة في الشهر وأحياناً لا يفتح شهورا. كذلك جاء الحديث عن دفع الرواتب المتوقفة للموظفين في غزة، ليكتمل مشهد "الخطوات الجادة" التي تحدث عنها أبو العبد.
مؤكّد أن هذه الخطوات ستكون موضع ترحيب، ولكن يمكن طرح سؤال عن المقابل الذي قدمته حركة حماس لنيل هذه التسهيلات لأهالي القطاع. قد تكون التهدئة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل جزءا من هذا المقابل، وهو أيضاً انعكس خلال تظاهرات العودة يوم الجمعة، والتي كانت الأكثر هدوءاً منذ بدء المسيرات، وبعد المجزرة الإسرائيلية الأميركية التي ارتكبت يوم الاثنين الماضي بالتوازي مع فتح السفارة الأميركية في القدس المحتلة.
"الهدوء مقابل تخفيف الحصار"، معادلة أو تفاهم بدأت معالمه بالظهور منذ يوم الجمعة، غير أنه قد لا يقف عند هذه الحدود، لا سيما أن المسيرات، بحسب الإعلان الأساسي لها، لم تكن بهدف رفع الحصار عن قطاع غزة، أو حتى تخفيفه، ولم يكن من المفترض أن تكون محاولة القطاع التنفيس عن غضبه من الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة داخله، بل كانت تحمل عنوان "العودة" في الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، ولمواجهة صفقة القرن التي تعد لها الولايات المتحدة مع حلفائها من الدول العربية، فهل ستنسحب المعادلة على هذا الأمر أيضاً؟ وهل دماء الشهداء الذين سقطوا على الحدود محاولين العودة كانت تهدف إلى تخفيف الحصار عن القطاع، وبالتالي عن "حماس"؟
أسئلة توجه إلى قيادة الحركة الإسلامية في قطاع غزة، والتي يبدو واضحاً أنها صاحبة قرار التصعيد والهدوء على الحدود. فهل فعلاً أدت التظاهرات غرضها بالنسبة إلى "حماس"، أي تخفيف الضغط الذي كان يُمارس على الحركة الإسلامية، وعلى هذا الأساس يمكن تحويل المسيرات إلى اعتصام هادئ من دون مواجهات ومحاولات عبور السياج الحدودي مع دولة الاحتلال؟
يبدو أن الأمور تسير حالياً في هذا الاتجاه، على الرغم من أن الهدف الأساس، والذي يفترض أن الشعب الفلسطيني خرج من أجله، وخصوصاً في قطاع غزة، لا يزال موجوداً، وخطورته تزداد مع الأيام، والحديث هنا عما تسمى "صفقة القرن"، والتي أعادت الولايات المتحدة الحديث عن طرحها بعد شهر رمضان، بحسب ما نقلت وكالة أسوشييتد برس عن خمسة مسؤولين أميركيين. ولا يمكن أن يكون الحديث الأميركي الجديد مفصولاً عما يدور في قطاع غزة، أو المعادلة التي يفترض أنها ترسّخت هناك، خصوصاً أن للأطراف المشاركة فيها، ولا سيما مصر، دورا كبيرا في الصفقة المرتقبة عبر تبادل الأراضي المطروح، وزيادة مساحة غزة جنوباً نحو سيناء.
قد لا تكون "حماس" على درايةٍ مباشرة بالترتيبات الجديدة، لكنها لا بد أن تطرح أسئلة على نفسها وعلى الوسطاء، حول المصادفة التي رافقت الإعلان الأميركي الجديد مع سريان التهدئة في القطاع وتخفيف الحصار عنه، فالغاية من المسيرات لم تكن كسر الحصار، على الرغم من أهميته أيضاً، بل صرخة في وجه صفقة التسوية التي يبدو أنها عادت إلى سكّتها.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".