لماذا انحازت أنقرة إلى طهران.. نووياً؟

لماذا انحازت أنقرة إلى طهران.. نووياً؟

19 مايو 2018

أردوغان وروحاني في أنقرة (4/4/2018/الأناضول)

+ الخط -
هل يمكن الربط بين قرار إلغاء الاتفاق النووي الذي أربك حسابات إيران الداخلية والخارجية وردة الفعل التركية المنحازة تماما إلى جانب طهران، على الرغم من تعارض المصالح وتضاربها في أكثر من ملف ثنائي وإقليمي؟ وعلى الرغم من معرفة أنقرة بأنه لا يمكن لها أن تثق بالسياسات الإيرانية المتعارضة مع مصالحها في سورية والعراق ولبنان والخليج؟ وبمسارعة القيادة الإيرانية للاحتماء بموسكو، كما يقول وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، "روسيا وإيران ستفعلان كل شيء لإنقاذ الاتفاق النووي"؟ وهل من علاقةٍ بين تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية في إيران وتركيا في الآونة الأخيرة وبين قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء "أسوأ معاهدة وقعتها الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما، وكانت نتائجها كلها ضد مصالح دول المنطقة وأمنها واستقرارها".
يقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: "نرفض هذا القرار الأميركي الذي ينتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة". المعارضة السورية التي تنسق مع تركيا ترحب بالقرار الأميركي، وكذلك عواصم خليجية، لأنه يأتي ردا على سياسات إيران الإقليمية، وتحديدا في سورية. كيف ستكون ارتدادات ذلك على العلاقات بين أنقرة وقوى المعارضة السورية ودول عربية عديدة، وهل يجعل الموقف التركي المتضامن مع طهران من أنقرة جزءا من المشكلة أم من الحل؟
كانت أنقرة تردد قبل أسابيع، وبعد انفجار الأحداث في مدن إيرانية عديدة، أنها "تولي أهمية
ً كبيرة للسلم الاجتماعي والاستقرار في إيران الصديقة والشقيقة". هذه المرة هي تقف إلى جانب طهران في مواجهتها النووية مع أميركا وإسرائيل. ألن يزعج ويقلق ذلك عواصم عربية وإسلامية عديدة تعتبر نفسها في مواجهة مع المشروع الإيراني الإقليمي؟ وهل سيكون ثمن ذلك إغضاب واشنطن وتل أبيب، ودفعهما إلى التحرّك ضد تركيا أيضا، كما يحدث الآن مع إيران؟ أم أن أنقرة حسمت موقفها باكرا في الموضوع الإيراني، لأنها شعرت بأن واشنطن، هي الأخرى، حدّدت سياستها التركية الجديدة، على ضوء تضارب المصالح، في أكثر من ملف ثنائي وإقليمي، يتقدّمه الموقف الأميركي المتذبذب حيال المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا والمشهد السوري؟
قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يعد "انتهاكا للمعايير الأخلاقية والسياسية والسبل الدبلوماسية السلمية والمقرّرات العالمية"، وقال وزير خارجيته جواد ظريف إن بلاده ستذهب في منحى استئناف تخصيب اليورانيوم "على المستوى الصناعي من دون أي قيود، إلا إذا قدّمت القوى الأوروبية ضماناتٍ متينةً لاستمرار العلاقات التجارية معها". لكن المؤكد أن حسم موضوع الصراع العربي الإسرائيلي عبر تحييد إيران وتركيا، وكسب الدعم الأوروبي وموافقة بعض العواصم العربية المعتدلة في مقدمة أهداف الخطة الأميركية التي دفعت ترامب إلى التصعيد نوويا ضد طهران، والمضي حتى النهاية في موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
قرار الرئيس ترامب الأحادي الجانب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران وفرض العقوبات على الشركات التي تواصل العمل معها بعد ستة أشهر من القرار، يترك أنقرة أمام خيار وحيد، هو محاولة القفز إلى الأمام للخروج من الورطة بمحاولة التوفيق بين عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، ودفاعها عن الاتفاق النووي لحماية مصالحها مع إيران، لكن ما تفعله أنقرة، والذي قد تكون ارتداداته مكلفةً عليها، هو قطع الطريق على خطط احتوائها أميركيا ومواجهة مشروع إبعادها عن روسيا وإيران، وتمرير رسائل إلى عواصم عديدة إن من عليه الحذر في خطواته هو واشنطن، وليس أنقرة.
الحكومة التركية التي كانت تحمّل طهران مسؤولية عرقلة عملية درع الفرات في مدينة الباب في شمال سورية، ودعمها المكشوف للقوات الكردية في شمال سورية وشرقها، وتمويلها حزب العمال الكردستاني في سنجار، باتجاه تعطيل التقارب بين أربيل وأنقرة، والتي كانت تعتبر تمسّك إيران بتحقيق هدفها النووي من أهم الأسباب التي أدت إلى التقارب التركي العربي، بهدف تحقيق التوازن الإقليمي، وزادت من حجم التقارب التركي الخليجي، نحو التعاون المشترك للتصدّي لتوسع النفوذ الإيراني، نجدها اليوم تقف في جبهةٍ واحدةٍ مع إيران. ما الذي يدفع الرئيس التركي الذي كان يردّد، قبل أشهر، إن سياسات إيران الإقليمية تهدف إلى التمدد المذهبي، وإن القيادة في طهران "تنتهج سياسة انتشار وتوسع عرقي، ويعلن أن إيران تستغل التطورات في اليمن والعراق وسورية لتوسيع نفوذها في المنطقة" لتغيير مواقفه الإيرانية، والوقوف إلى جانب إيران في مواجهتها مع واشنطن "التي تحاول تأليب الناس على بعضهم هناك"، وجعل "استقرار تركيا مرتبطا باستقرار إيران"؟
بين ما يحرّك تركيا لمراجعة مواقفها والتخلي عن أسلوب التصعيد مع إيران، هو ربما شعورهما بالوجود، وسط مستنقع الرمال المتحركة التي تستهدفهما وتهدّدهما مباشرة بقرار أميركي واضح، خصوصا مع إدارة الرئيس ترامب الجديدة، والعروض الروسية المغرية المقدمة لهما في إطار تفاهمات ثلاثية بأبعاد استراتيجية.
يقول الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن اتفاقية فيينا النووية ستنعكس إيجابا على مسار العلاقات التركية الإيرانية الثنائية والإقليمية، لأن شعوب المنطقة تراهن على التعاون التركي الإيراني لحل قضايا عديدة عالقة، والتنسيق في الحرب على الإرهاب، فهل حدث ذلك حقا بعد مرور ثلاث سنوات على توقيع الاتفاقية؟ تعتبر أنقرة أن اتفاقية التفاهم النووي قد تطلق قدرات إيران الاقتصادية، وهو أمر سيفيد تركيا، لكن ثمن ذلك قد يكون أخطر وأكبر بالنسبة لتركيا. الرهان الخاطئ الذي تبني أنقرة معادلتها على أساسه هو الثقة بحاجة إيران إليها، وتجاهل ردة الفعل الإيرانية حيال المطالب التركية، ومدى تمسّك إيران بها، وكأنها لم تختبر ذلك في الملفات السورية والعراقية واللبنانية والخليجية.
ترك قرار ترامب أنقرة أمام خيارين حاسمين لا ثالث لهما، إما المضي وراء إيران وتجاهل سياساتها المرتبطة بملفات التمدد والانتشار العرقي والمذهبي، أو العودة عن هذه السياسات والالتحاق مجددا بما يقوله حليفها الاستراتيجي الأميركي عن مخاطر السياسات الإيرانية وارتداداتها، فكيف ستتصرف أنقرة؟
تعرف تركيا، كما يردد مفكرون قوميون أتراك، أن إيران لن تتخلى عن مشروعها النووي، حتى ولو قبلت بتجميد بعض نشاطاتها في السنوات المقبلة للخروج من أزمة الحظر والحصار الأممي المضروب حولها. لكن أنقرة تعرف أيضا أن مواقف القيادات الأوروبية وتصريحاتها المنتقدة لقرار ترامب، والحديث عن فرص وسيناريوهات إقليمية أمنية وتجارية وسياسية جديدة في المنطقة، وعن تقاسم أدوارٍ تشكل إيران تقاطع الطرق الرئيسي فيها، ستسقط عند أول صرخة أميركية في دعوة الجميع إلى الوقوف في الطابور بانتظام، وعدم المشاغبة أكثر من ذلك.
يبدو أن أنقرة سقطت في لعبة تحريك المرايا الإيرانية التي تعكس أشعة الشمس نحو الأعين لحجب الرؤية، وهي لم ترصد حجم مخاطر السياسات الإيرانية الإقليمية، وقرار محاصرتها في سورية والعراق. وحقيقة أخرى لا يمكن أن تتجاهلها تركيا، وهي أن إيران بعد الآن حتى ولو تراجعت عن خيار القنبلة النووية، فهي لن تهادن في محاولة التأسيس للقنبلة الإقليمية 
الاستراتيجية السياسية والتجارية، ولن يقل مفعولها تأثيرا عن القنبلة الأخرى على الدول المنافسة لها في المنطقة، وتركيا هي في مقدمتها، لكن بعضهم في أنقرة لا يريد أن يرى ذلك.
يقول ترامب إن القرار الأميركي لا يعني إيران وحدها، بل أيضا من يقف إلى جانبها ويدعمها. وبذلك سيكون للقرار والرد الإيراني عليه ارتداداتهما على تركيا وسياساتها معهما، لكن حجم التأثير وانعكاساته هو الغامض حتى الآن، وسط أجواء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية. تريد واشنطن العودة بالأمور إلى ما قبل عام 2015، فهل تركيا جاهزة لتحمل ارتدادات هذه العودة على علاقاتها مع طهران وواشنطن بعد ثلاث سنوات من التوتر التركي الأميركي؟
ويتمسك ترامب بموقفه الذي يعتبر الاتفاق النووي صفقة سيئة، بل كارثية، ولا يمكن ترقيعها، وأن المراجعة المطلوبة يجب أن تشمل أيضاً موضوع الصواريخ الباليستية، والسياسات الخارجية العدوانية، والسلوك الإقليمي الإيراني، لكن الرئيس روحاني يرد على ذلك بجر تركيا إلى المستنقع الذي يريده. إنه يدوس فوق أصابع القدم التي توجع أردوغان، وقد نجح، إلى حد كبير، في أخذ ما يريده من أنقرة، خصوصا عندما نرى أنه ترك تركيا أمام حالة تقليد السياسة الإيرانية النووية، والاستعداد للإعلان عن خطوةٍ لطالما رفضتها، وتجنبت الحديث عنها، وهي المشاركة الفعلية في سباق التسلح النووي الذي بدأت قيادات سياسية تركية تتحدث عنه.
4A6988D0-57AB-4CAB-9A76-07167D860E54
سمير صالحة

كاتب وباحث تركي، أستاذ جامعي في لقانون الدولي العام والعلاقات الدولية، دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة باريس، له عدة مؤلفات.