عن فلسفة المقاومة

عن فلسفة المقاومة

19 مايو 2018
+ الخط -
ارتبطت كلمة فلسفة في الأفهام بالتعبيرات المعقدة والطرق غير المألوفة، للتعبير عن المشاعر والأفكار، غير أن مسار فهم التاريخ يشبه تماما مسار الرصاص، فهو يخرج من فوهات البنادق باتجاه واحد معتدل نحو الهدف، قد تحرفه الرياح ودوران الأرض، تبعا للمسافة قليلا، ولكن لا يحيد غالبا عن دائرة الهدف.
والمقاومة، أية مقاومة، تنشأ غالبا لمناهضة قوى غاشمة عن التغول واستلاب الحريات أو الثروات. أو أن تنشأ هذه المقاومة بدوافع ذاتية من الشعوب المستلبة، أو أن تنشئها قوى أخرى لاستخدامها وتوظيفها، مستخدمةً قدسية هذا الشعار "المقاومة".
وفي الحالة الفلسطينية، نشأت المقاومة منذ عشرينيات القرن الماضي بدوافع ذاتية وطنية لمناهضة قوى الاستعمار البريطاني الذي استخدمته الصهيونية العالمية كقفازات لتسليمها أرض فلسطين.
غير أنّ قوى أخرى عربية أرادت توظيف المقاومة الفلسطينية، خدمة غير مباشرة للصهيونية العالمية التي اتضح أنّها تقف خلف صعود وتعيين زعماء عرب كثيرين، أو لضمان استمرار بقاء هذه الأنظمة التي وصلت إلى الحكم بانقلابات عسكرية قاهرة، وليس عبر إرادة شعبية طاهرة.
وهذا ما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، حيث نجح النظام العربي الرسمي بقيادة عبد الناصر في إعادة صياغة المنظمة وتشكيلها، وشكلوا المجلس الوطني الفلسطيني، وتدخلوا بشكل مباشر في تعيين أعضائه، بناء على ولاءات هؤلاء لهذا النظام أو ذاك.
ثم بزغ نجم المقاومة الإسلامية مع انفجار الانتفاضة الأولى 1987، وعقدت عليها الآمال لإعادة تصحيح البوصلة، إلا منظمة التحرير التي كانت وصلت إلى مرحلة متقدمة من الإضعاف واليأس استشعرت الخطر بصعود حركة حماس، فاندفعت نحو اتفاقات تسوية مع الكيان الصهيوني (أوسلو 1993)، تنازلت بموجبه عن 78% من فلسطين التاريخية، وأخضعت الباقي للتفاوض. حيث عمل العدو، منذ ذلك الحين حتى الآن، على ابتلاع أغلب الضفة والقدس المحتلة عبر خطة ممنهجة للاستيطان وتغيير المعالم عبر الجدار والطرق الالتفافية، وعزل غزة وإضعافها عبر اختراع الانقسام بعد مسرحية الانتخابات وفخ فوز حماس ثمن الدخول في كمين الحسم لتدشين اختراع الانقسام.
وبالعودة إلى الواقع، فإنّ أقوى أوراق القوة لدى المقاومة الفلسطينية هي الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، بدءا من غزة مرورا بالضفة الغربية والقدس المحتلة، وليس انتهاء بفلسطينيي 48، ثم يأتي في المرتبة الثانية فلسطينيو مخيمات اللجوء والشتات.
وبالنظر إلى هدف العدو المتمثل في حصر المقاومة وحشرها في غزة، وإنهائها وخنقها في الضفة والقدس، واستبعادها في 48 ومخيمات اللجوء، فانّ من البديهي أن تنتبه المقاومة لهذا المخطط وتعمل على تغيير الأولويات.
تعرضت غزة لثلاث حروب دامية مدمرة، غير أنها تصلح لأن تكون قاعدة خلفية قوية ومحور ارتكاز لتنظيم انطلاق المقاومة في الجبهات الأخرى، وفي مقدمتها الضفة الغربية والقدس بطرق وصور غير اعتيادية، فضلا عن إعادة رسم دور شعبنا داخل أراضي 48 ليقوموا بدورهم بما يتناسب مع موقعهم المتقدم داخل غرف نوم العدو.
إذا كانت فلسطين تخوض معاركها الأخيرة حقا، وإذا كان شعبنا وصل إلى التلويح بأوراق الاحتياط، فلا يجب استثناء أي خيار. وعليه، ربما بات على المقاومة تكريس جل الجهود والإمكانات والقدرات المعنوية والمادية لإنشاء جبهة مقاومة مختلفة شكلا ومضمونا في الـ 48، وإعادة النظر في شكل المقاومة ودورها في الضفة والقدس.
ليست فلسطين ملكا لأهل غزة وحدهم، وواجب المقاومة لم يسقط ألبتة عن أي فلسطيني في الـ 48 أو المنافي والشتات، والمقاومة باتت مجبرة على إعادة النظر فيما تملك من أوراق قوة وطرق استخدامها.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)