النكبة ليست ذكرى

النكبة ليست ذكرى

17 مايو 2018
+ الخط -
وصلنا إلى الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية التي حدثت سنة 1948، ويبدو أننا سنصل إلى ذكرى تلو أخرى، بينما يظهر أن الدولة الصهيونية تُكمل النكبة التي أدت إلى السيطرة على 78% من فلسطين، بضم معظم الأرض التي احتلتها سنة 1967، وتحصر الفلسطينيين في معازل تحت سلطة إدارة ذاتية. والإمبريالية الأميركية تثبت القدس عاصمة هذه الدولة.
ليس هذا الأمر نتيجة ضعف النضال الفلسطيني، لكنه نتيجةٌ طبيعيةٌ لانهيار الميل التحرّري العربي، وتحكّم نظم تابعة لهذه الإمبريالية أو غيرها، وبالتالي تكيّفها مع الوجود الصهيوني، وميلها إلى التحالف معه. فقد جهدت الإمبريالية الأميركية على ترتيب وضع النظم العربية طوال خمسة عقود، بما يجعل كل محاولة لمواجهة الدولة الصهيونية محاصرة، ومسحوقة من هذه النظم. وبهذا حُصر النضال الفلسطيني في داخل فلسطين، وفي ظروفٍ في غاية الصعوبة، نتيجة السيطرة الشديدة للدولة الصهيونية على الأرض والأجواء، والتطور التكنولوجي الذي جعل كل حراكٍ عسكري مرصودا بشكل دقيق.
بات اللاجئون في خارج فلسطين، والذين أطلقوا الثورة منتصف ستينيات القرن العشرين، مشرّدين في العالم، بعد أن طُردوا من مخيماتهم ومناطق استقرارهم، كما حدث مع فلسطينيي العراق، أو نتيجة التدمير الممنهج لهذه المخيمات، كما حدث في سورية، أو الحصار والتضييق الشديدين في لبنان. ولقد اكتمل غلق الحدود بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان بسدّ جبهة الجنوب، واحتكار حزب الله لها من دون أن يسعى إلى تفعيلها ضد الدولة الصهيونية، على الرغم من كل التبجح بتحرير فلسطين، وتدمير "إسرائيل". وأصلاً كانت جبهة الجولان مغلقة "للتصليحات"، وأيضاً جبهة الأردن التي أُغلقت بعد سنة 1970. وكذلك مصر.
ولقد أدى الخروج من لبنان ثم اتفاق أوسلو إلى نهاية الدور المسلح للفصائل الفلسطينية، وما بقي كان هامشياً بعد أن لم يعد ممكناً ممارسته من الخارج، وباتت السلطة الفلسطينية معنيةً بمنعه في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحدَّ هذا الوضع كثيراً من قدرة الشعب الفلسطيني على تغيير موازين القوى، على الرغم من إصراره على استمرار المقاومة، لكن هذا الأمر لم يعد سهلاً، حيث كما أشرت تسيطر الدولة الصهيونية على الوضع بشكلٍ يفضي إلى إفشال كل محاولةٍ لعمل مسلح، أو اعتقال صانعه، بعد أن ينفّذ عملية عسكرية. هذا الوضع هو الذي فرض نشوء أشكالٍ من المواجهة مختلفة، ولها طابع فردي، مثلما حدث باستخدام السكاكين أو السيارات. وظهر النشاط الشعبي بشكلٍ لافت، كان جديده ما يحدث في ذكرى النكبة من أشكال تعبير في غزة والضفة الغربية، تحت شعار مسيرات العودة.
في كل الأحوال، هناك مأزق كبير بات يحكم هذا النضال، بعد أن ضاع الهدف، وقبلت الفصائل بـ "دولة" على جزء صغير من فلسطين، من دون أن تحصل عليها. وبعد أن استحكمت النظم العربية، وباتت أقرب إلى التفاهم مع الدولة الصهيونية، وبعضها "صالح" وانتهى الأمر بالنسبة له، كما سحقت شعوبها. لهذا، ربما من الضروري العودة إلى إعادة بناء الرؤية بشأن النكبة، لكن الأهم إعادة بناء المشروع الذي يسعى إلى إنهاء الدولة الصهيونية بعد أن تلاشى، على الرغم من الشعارات الكبيرة التي تُطرح، والتي لا تعبّر سوى عن جزء ذاتي، وهروبٍ من الصراع. وإعادة بناء الرؤية تعني إعادة ربط فلسطين بأساسها العربي، فهي قضية عربية بالأساس. ومن ثم، فإن كل الفلسطينيين الذين يرفضون الثورات في البلدان العربية، ويدافعون عن نظم مافياوية مجرمة، مثل النظام السوري، يسهمون في استمرار النكبة، لأن ما حدث من هزّة أوجدتها الثورات هي المدخل لتغييرٍ عميقٍ يفرض إعادة بناء الصراع مع الدولة الصهيونية عربياً، لأنها عدو الشعوب، ومانع تطوره وتقدمه. فهذه الشعوب التي صنعت الثورات هي التي سيكون لها الدور الأهم في تحرير فلسطين، وليس النظم المافياوية التي تطمح إلى الالتحاق بالإمبريالية.
ثم، يجب أن يكون واضحاً أن المشروع الفلسطيني يجب أن يكون كل فلسطين دولة علمانية ديمقراطية. بهذا تنتهي النكبة.