تعميق "المعضلة الأردنية"

تعميق "المعضلة الأردنية"

15 مايو 2018
+ الخط -
من يرصد، بدقّة، تصريحات وزيري الخارجية والإعلام الأردنيين، أيمن الصفدي ومحمد المومني، تجاه إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من "الصفقة النووية"، يلحظ حجم التحفّظ والحذر الأردني في التعامل معه، فتصريح الصفدي ركّز على خطورة فتح سباق التسلح النووي في المنطقة، بينما دعا المومني إيران إلى تغيير سياساتها.
انسحاب ترامب من الاتفاقية يعني، إقليمياً، ارتفاع وتيرة التوتر الشديد بين إسرائيل وإيران في سورية، وهو ما بدا واضحاً غداة الإعلان، من الهجمات الصاروخية المتبادلة، ما يمسّ الأمن الوطني الأردني بقوة، ويهدّد استمرارية اتفاقية وقف إطلاق النار في محافظة درعا التي يرعاها الروس والأميركان، بتنسيق أردني دائم، مع وجود غرفة عملياتٍ واجتماعاتٍ مستمرة في عمّان لمراقبة تطبيق الاتفاقية، فهذه التوترات الإيرانية - الإسرائيلية تهدّد الوضع الراهن المناسب تماماً للمصالح الأمنية الأردنية في سورية، وتزيد من قلق الأردن مع تراجع فرص الحل السلمي في سورية، والنشاط العسكري هناك.
على المدى القصير جدّاً، يعني إلغاء ترامب الاتفاقية، أردنيّاً، مزيداً من الضغوط العربية والأميركية، ربما، على الأردن، لاتخاذ خطواتٍ أكبر ضد إيران، بعدما كان الأردن قد سحب سفيره من طهران، قبل قرابة عامين، استجابةً للمطالب السعودية. أمّا اليوم فإنّ "شبح السيناريو المغربي" يلوح في الأفق، بعد أن قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية بطهران، وهنالك توقعات بأن يذهب الأردن في المسار نفسه.
هنا تحديداً تتعمّق المعضلة الأردنية التي تتمثّل في التناقض السافر بين مصالح الأردن الاقتصادية والسياسية، في الفترة الراهنة، بالانفتاح على الحكومة العراقية، ما يؤدي إلى تحريك الاقتصاد الأردني، وتنشيط قطاعاتٍ راكدة اعتمدت فترة طويلة على السوق العراقية، والعمل على المضي في تنفيذ "أنبوب النفط" العراقي المفترض أن يمرّ في الأراضي الأردنية، من جهة. ومن الجهة الأخرى الضغوط الخليجية على الأردن لقطع العلاقات مع إيران، ما يعكّر صفو المياه مع العراق، ويعقدّ مساعي الانفتاح بين الدولتين.
في بداية الشهر الحالي، وصل وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، المقرّب من طهران، ولم يُخف في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، تأكيده على وجود خلافات بين الدولتين، في إشارة إلى رغد ابنة الرئيس العراقي الراحل، صدّام حسين، المقيمة في عمّان، وتطالب بغداد بتسلمها، وهو الأمر الذي يرفضه الأردنيون رفضاً مطلقاً، لأنّها في ضيافة الهاشميين.
مثل هذه "المطالب العراقية" لا تعدو أن تكون بمثابة الريشة في مناخٍ عاصف، فيما لو تحسّنت العلاقات الأردنية - الإيرانية، فذلك كفيلٌ بأن تعمل طهران على تذليل كل الصعوبات أمام فتح أبواب العراق أمام الأردن، لكن في المقابل إيران لا تعطي شيئاً من دون مقابل، فهي بالتأكيد تريد تطبيعاً كبيراً في العلاقات الأردنية – الإيرانية.
تتبدّى حدّيّة المعضلة الأردنية في أن الطرف الآخر، الخليجي (الإماراتي والسعودي)، في الوقت الذي يطالب فيه الأردن باتخاذ خطواتٍ عديدة للتماثل مع سياساته، سواء في الأزمة الخليجية الداخلية أو الموقف من إيران، أو مواقف أخرى، فإنّه لم يقدّم مساعداتٍ مالية تذكر للأردن منذ أعوام، ويترك الأردنيين يغرقون في أزمة ماليةٍ واقتصاديةٍ خانقة، ومفاوضات شاقّة مع صندوق النقد الدولي، واتخاذ سياساتٍ اقتصاديةٍ صعبة على الشارع الذي يواجه، منذ أعوام، ضغوطاً مالية كبيرة!
هذه المعضلة هي التي دفعت نخباً سياسية أردنية إلى المطالبة بإعادة التفكير في جدوى التحالفات الاستراتيجية الأردنية، وفي موضوع العلاقة مع إيران بوصفها مفتاحاً ذهبياً لفتح طريق عمّان - بغداد شبه المغلق، وفي ظل ظروف الحصار الراهن الموضوعي للأردن، وسط بحرٍ من الأزمات الإقليمية.
من السذاجة التفكير بأنّ صانع القرار الأردني يمكن أن يغيّر شبكة تحالفاته الاستراتيجية عربياً ودولياً، فهذا غير مفكّر فيه أردنياً، لكنّ هنالك جهوداً أردنية مبذولة منذ أعوام لتدوير الزوايا الحادّة مع بعض الأطراف، وإيجاد قدر أكبر من المرونة في التعامل مع حالة التجاذب الإقليمي، الأمر الذي لا يتناسب مع سياسات ترامب، ولا مع التوجهات الجديدة للحلفاء الخليجيين، ما يجعل محاولات الأردن باتخاذ "أنصاف مواقف" في أحيانٍ تقابل برفض من الأطراف المختلفة، وبخسارةٍ قد تكون أكبر من الخسارة المترتبة على الانحياز لطرف معين ضد الآخرين.
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.