إيران في حربها المقدّسة الجديدة

إيران في حربها المقدّسة الجديدة

15 مايو 2018
+ الخط -
قد تسعى الولايات المتحدة من جديد إلى تغيير النظام الإيراني. هذا ما تفيد به تصريحات المقربين من البيت الأبيض، في سياق مرحلة ما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الغربية مع طهران، فالرئيس دونالد ترامب مصرٌّ على أن يغامر بكل شيء من أجل تحقيق بعض وعوده الانتخابية، وهي وعودٌ يتبين اليوم أنها جزء من المخططات الإسرائيلية، والتي تتقاطع، في الآن نفسه، مع رغبات ومخاوف دول عربية تعتبر نفسها مهدّدة في وجودها وأمنها، في حال تمكّنت إيران من امتلاك السلاح النووي.
هذا يعني العودة إلى الأجواء التي كانت سائدة قبل أربعين عاما، حين بلغ الصراع الأميركي الإيراني أشده بعد اقتحام مقر السفارة الأميركية في طهران. عندها حاولت واشنطن تغيير نظام الملالي الذي كان في طريقه نحو التشكّل، لكن جميع محاولاتها فشلت، خلافا لما قامت به مخابراتها، عندما تمكّنت في 1953 من إزاحة حكومة محمد مصدق التي قرّرت تأميم البترول الإيراني.
هل سينجح ترامب ونتنياهو في تحقيق ما فشل فيه السابقون؟ هذه مغامرة خطرة، قد تفتح الباب على المجهول، ويمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، وتفتح المجال أمام عدم استقرار إقليمي سينعكس آليا على الأمن العالمي، فالنظام الإيراني لا يزال قويا، وقد يكون أقوى مما كان عليه، على الرغم من الصعوبات الهيكلية التي يواجهها، وعلى الرغم من تراجع شعبيته. ويتوقع أن توفر له هذه المواجهة الجديدة مع أميركا وإسرائيل والسعودية فرصة تاريخية للتيار المتشدّد في استعادة احتكاره مواقع القرار السياسية والعسكرية والدينية، بحجة إدارة الحرب المقدسة ضد العدوان الثلاثي المنتظر. وفي مقابل ذلك، يجد التيار الإصلاحي، بمختلف مكوناته، نفسه عاجزا عن منافسة خصومه في الداخل، ما سيزيد من إضعافه، بعد أن راهن كثيرا على الحلول الدبلوماسية، وبنى مشروعه على تسوية الملف النووي. وهكذا تعود أجواء الحرب داخل إيران، لتضع التنمية والعقلانية وسياسات التهدئة بين قوسين إلى وقت لاحق.
لن تقف خطة السعي إلى إطاحة النظام الإيراني عند الحرب الاقتصادية، وإنما قد تتوج بضربة عسكرية موجعة، كما يأمل اليمينان، الأميركي والإسرائيلي. وفي هذا السياق، يتم حاليا التلويح بتنظيم مجاهدي خلق، باعتباره القوة الاحتياطية التي وضعت حتى الآن في المخازن الأميركية، والتي تعتبر حاليا البديل "الجاهز" للنظام الإيراني القائم.
مثلما لم يدرك ترامب أسرار قوة التيار المحافظ في إيران، فإن مستشاريه لم يستوعبوا أيضا أن ورقة مجاهدي خلق قد احترقت منذ زمن بعيد، وأن هذا التنظيم الذي كان يشكل قوة سياسية وعسكرية ذات شأن في مطلع الثورة الإيرانية تراجع وزنه، وفقد شرعيته عندما تحالف مع نظام صدام حسين، ووضع قواته تحت تصرّف القائد العراقي في حربه ضد إيران، وهي الحرب التي استمرت ثماني سنوات، وأدت إلى مقتل مليون شخص على الأقل.
كان مجاهدو خلق تنظيما شبابيا تقدميا، يتكون من جيل صاعد وواعد، لكن قيادته ارتكبت، بعد إطاحة نظام الشاه، سلسلة من الحماقات الاستراتيجية، تسببت في كسر التنظيم، ولوثت صورته، ونسفت بعده الوطني. وكانت بداية سقوطه المدوي ذلك الاستعراض العسكري الذي قامت به في شوارع طهران، لتهديد الجناح الديني، ثم الشروع في سلسلة الاغتيالات الكبرى، وفي مقدمتها قتل 72 من مساعدي الإمام الخميني، وفي مقدمتهم سيد محمد بهشتي. وبذلك وفروا الفرصة للجناح الراديكالي لرصّ صفوفه، وإقامة دولته المستمرة الآن، في حين تحولت مجاهدو خلق إلى تنظيم ملاحق، يبحث عن دعم خارجي، حتى لو كان من ترامب وتل أبيب.
ستكون المعركة الجديدة مؤلمة للشعب الإيراني، وستزيد من إرهاقه اقتصاديا، كما ستُحدث متاعب إضافية للنظام، لكن المؤكد أنه يتمتع بقدرةٍ على التكيف والاحتمال، وأن لديه بعض الأوراق لصالحه، مثل التناقضات الكبرى في المصالح بين أميركا وأوروبا، إضافة الى أن إيران تحولت إلى لاعب رئيسي في الشرق الأوسط، ولها أكثر من هدف يمكن أن تصيبه في المواجهة المفتوحة على جميع الاحتمالات.