الصراع على سورية

الصراع على سورية

15 مايو 2018
+ الخط -
بدأت في 15/3/2011 ثورة في سورية، هدفت الى إسقاط النظام، تحوّلت إلى حرب حقيقية، تدخلت فيها مجموعات "جهادية" مرسلة من أجهزة مخابرات، ونشأت مجموعات أصولية تطمح إلى إقامة "دولة إسلامية"، ومن ثم أصبح كثير من هذه المجموعات والكتائب المسلحة أدواتٍ لدول إقليمية، فأخذ الصراع يتحوّل الى تنافس إقليمي يهدف إلى السيطرة على مصير سورية. ومن ثم تدخلت دول عظمى لتفرض وجودها على الأرض السورية، أميركا في شرق سورية وشمال شرقها، وروسيا في مناطق النظام.
ما حدث في الأشهر الأخيرة أن أميركا عزّزت وجودها في الشرق والشمال الشرقي، وتحكمت بمصادر النفط ومواقع إنتاج القمح. وتحكمت تركيا في الشمال الغربي بتوافق مع روسيا، وتسعى إلى توسيع سيطرتها إلى منبج وكل الحدود السورية التركية. وظل الجنوب السوري خاضعا لاتفاق خفض التصعيد برعاية الضامنين، روسيا وأميركا والأردن، لكن التحوّل الأكبر كان فيما حققته روسيا على الأرض، حيث قرّرت أن تحسم في وجود مناطق خارجة عن سيطرة النظام في كل المساحة الممتدة من جنوب دمشق إلى حدود محافظة إدلب، وشرقاً إلى غرب نهر الفرات. وكان واضحاً أنها مصمّمة على الحسم السريع، ولهذا استخدمت أقصى أنواع الوحشية، كما ظهر في الغوطة الشرقية، وهدّدت بإبادة كل من يرفض الصيغة التي تطرحها للوصول إلى حل، والقائمة إما على التهجير أو الخضوع الكامل لسيطرة النظام. عبر ذلك، استطاعت سحق الغوطة الشرقية وإخضاعها، وتقدّمت إلى جنوب دمشق، فسحقت مخيم اليرموك والحجر الأسود وببيلا وحي التضامن، وذهب إلى ريف حمص الشمال، وريف حماة الجنوبي، وإلى القلمون بنتائج ما حققته في الغوطة الشرقية عبر وحشيتها، لتفرض الحل الذي أرادته، والذي فرض تهجير مئات آلاف العائلات. وبهذا، سيطرت على كل المناطق التي كانت خاضعة للمجموعات المسلحة، وباتت تسيطرة على 62% من الأرض السورية.

بهذا، لم يعد للمعارضة المسلحة تأثير يُذكر، فقد خرجت من معظم مناطقها، وما بقي بات محكوماً بقرار دول إقليمية أو عظمى، فالجبهة الجنوبية خاضعةٌ لقرار أردني أميركي، ومناطق إدلب إلى جرابلس خاضعة لقرار تركي. وقد لعبت روسيا جيداً حينما قرّرت تسليم كل المقاتلين المهجرين من مناطقهم للراعي التركي. وطبعاً منْ يتحكم بمناطق قوات سورية الديمقراطية هو أميركا التي تسلح وتدمر بطيرانها وخبرائها وقواتها، هذه القوات. على ضوء ذلك، يمكن القول إن القرار بشأن مصير سورية بات بيد كل من روسيا التي كرّست وجودها بعقد احتلالي مع النظام، وأميركا التي تمسك بورقة وجودها للمساومة مع، والضغط على روسيا، وتركيا التي تريد ضمان عدم كيان كردي على حدودها الجنوبية.
تجاهلت الإشارة إلى النظام الإيراني، لاعتقادي أن دور إيران في سورية انتهى، فقد أرسلت قواتها لدعم النظام بعد أن بدأ يتهاوى (قبل وجود كل المجموعات الأصولية والتدخل الخارجي)، لكنها عجزت عن ذلك بعد تفاقم الصراع وزيادة التدخلات الإقليمية، لهذا جاءت روسيا لتحمي النظام من السقوط، وإيران من الهزيمة. ولقد استخدمت روسيا مجمل القوات التي ترسلها إيران، من حزب الله إلى المليشيا الطائفية العراقية والأفغانية والحرس الثوري، في الحرب ضد الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام تحت مظلة من القصف الجوي الروسي، حيث أن قوات النظام باتت قليلة وعاجزة، وفي الغالب باتت تتشكّل من شبيحة. لهذا كان الوجود الإيراني ضرورةً روسيةً، وحاجةً لا يمكن الاستغناء عنها، فقواتها هي التي تقاتل على الأرض، وتسيطر على مناطق المعارضة، على الرغم من أنه كان يُبرز، في نهاية المعارك، وجود "الجيش العربي السوري".
الآن، لم تعد فصائل المعارضة تشكّل تهديداً بعد أن أُبعدت إلى الشمال، ووُضعت تحت القبضة التركية، ولا يبدو أن روسيا تريد حسم الوضع في الجنوب السوري، ولا أن تدخل في صراعٍ مع قوات سورية الديمقراطية التابعة لأميركا. لهذا، وفق المنظور الروسي، لم يعد من حاجةٍ لإيران وقواتها، فقد أنهت مهمتها.
أنهت مهمتها؟ لإيران مصالح في سورية لا تتعلق بـ "وصل" الطريق إلى حزب الله في لبنان، فهذا تفصيل صغير، بل يتعلق بالاقتصاد وبتوسيع سيطرتها ونفوذها في إطار رؤيتها الإمبراطورية التي طالما عبّر عنها كبار المسئولين فيها. وقد دفعت مليارات الدولارات، وقتلى كثيرين، لكي تفرض وجودها، وتمنع سقوط النظام، ليس لكي ترحل بكل بساطةٍ لأن مهمتها انتهت، بل لكي تحصد مصالح ونفوذ. لكن، أيضاً، لم تأت روسيا لمنع سقوط النظام فقط، فقد جاءت لكي تحتلّ سورية، وتفرض سيطرتها، وتحظى بمشاريع اقتصادية تخدم "الشركات الروسية" والدولة الروسية كما صرّح مسؤولون روس عديدون. ولهذا حصدت السيطرة على النفط والغاز، وإعادة الإعمار، والتسليح، وربما كل "شاردة وواردة". وهي كذلك تريد أن تسدّ الطريق على أن تمدّ إيران خط أنابيت الغاز إلى البحر المتوسط، المشروع المشترك مع قطر، والذي كان قد وقّع عليه بشار الأسد سنة 2010.
وكذلك، لروسيا مصالح مع دول أخرى، لا بدّ أن تدفعها لمراعاتها، وأقصد هنا الدولة الصهيونية التي تعتبرها روسيا حليفاً مركزياً في "الشرق الأوسط". وبهذا، لا بد أن تكون روسيا حريصةً على أمنها و"سلامة أراضيها"، واستقرارها. لهذا، ستأخذ حساسية الدولة الصهيونية من وجود حزب الله، ومن الوجود الإيراني في سورية، بعين الاعتبار بالضرورة. هذا الموقف هو الذي سمح للدولة الصهيونية أن توجه أكثر من مائة ضربة جوية لحزب الله في سورية، والآن أن تخوض معركة تصفية الوجود الإيراني في سورية، فقد استشعرت، وربما أخذت الضوء الأخضر من روسيا لكي تحقق هي طرد إيران من سورية، حيث تسهّل عليها السيطرة الكاملة، فلا شك في أن قناعة الروس بأنه لم تعد هناك حاجة إيران كانت في صلب القرار الصهيوني ببدء المعركة المباشرة مع إيران، بعد أن كانت تقصف حزب الله فقط.
ويرتبط بذلك القرار الأميركي للانسحاب من الاتفاق النووي، أميركا التي تشترط على الروس، أيضاً، إخراج إيران من سورية. بهذا ستكون الدولة الصهيونية رأس الحربة ضد إيران في سورية، مدعومةً من روسيا وأميركا، وستكون الضغوط الأميركية الشديدة على إيران جزءًا آخر في مسار الضغط الروسي لانسحابها. وسيكون بشار الأسد مسروراً بذلك، بعد أن باتت إيران تطالبه بتسديد الديون التي قدمتها له، وتضغط من أجل الحصول على مصالح اقتصادية، في مقابل دورها في منع سقوطه.
بدون إيران ستكون المفاوضات لترتيب وضع سورية هي بين كل من روسيا أساسا، ودولة محتلة، وكل من تركيا التي لا تريد فيدرالية كردية، وأميركا التي تعتبر وجودها في سورية ورقة مساومة مع روسيا. لكن ربما تسعى روسيا إلى عقد "اتفاق سلام" بين بشار الأسد والدولة الصهيونية التي باتت تعلن أنها ليست ضد استمرار حكمه (كما كانت في الماضي)، ويكون ذلك جزءًا من الحلّ، يكرّسه من دون معارضة أميركا، كررت مراراً أنها مع رحيله. إن تجاوز "الشرط" الأميركي الأوروبي بضرورة تنحي الأسد شرطا للمساهمة في إعادة الإعمار، يمكن أن يصبّ في خدمة تحقيق "سلام" مع الدولة الصهيونية.
ما هو الحلّ إذن؟ دستور جديد وانتخابات مزورة، أي مخرجات لقاء سوتشي، ربما مع تعديلاتٍ بسيطة. طبعاً هذا إذا جرى التفاهم الأميركي الروسي على الملفات المختلف عليها، حيث تريد أميركا أن تحصد مقابل "تنازلها" السوري.