الكاتب والحمار

الكاتب والحمار

14 مايو 2018
+ الخط -
قد لا تصدق أيها المتلقي المحترم، إن قلت لك بصريح العبارة التي لا تشوبها شائبة، أن الحمار الذي كان يمتطيني صار كاتبا، فهل تصدق؟
كنت أعتقد أنه لا يصلح إلا لأكل التبن أو إحداث جلبة نهيق حادة وبسالة غير مقبولة عندما يرى نصفه الآخر، وبالأخص إذا بادلته الشعور نفسه وصارت تطبق فكيها تارة، وتفتحهما تارة أخرى بالشكل الذي يليق.
كنت أراه فقط، وهو يمشي على أربع أو وهو يجر عربة أو يحمل متاعا، وفعل الجر والحمل والبسالة وأكل التبن لا علاقة له البتة، لا من قريب ولا من بعيد، بفعل الكتابة التي تحتاج كما تعلم إلى شرفة وتأمل وكرسي ومكتب وعقل وأذنان صاغيتان، تلتقطان كل شاردة وواردة.
كنت أتخلَّف وراءه بعض الشيء وأدعه يمشي، أتأمل فقط ما يدلني على أنه صار حمارا كاتبا بأذنيه أو بشيء يربطه بهذا الفعل الإنساني الراقي الذي هو الكتابة، والذي لا علاقة بها للحمير ولا باقي الحيوانات الأخرى بما فيها الخيل والبغال.
كنت أبحث في الممرات والمسارب التي يسلكها، ربما أجد خيطا واهيا أو علامة أو شيئا يربطه بالحَرْف أوالقراءة، ويدل في البيادر والأسواق على كوْن هذا الحمار الذي أصبح كاتبا بين عشية وضحاها، كان جحشا نجيبًا في طفولته ليس كباقي الأجحاش، وتدرج بعدها في المدرسة "الحميرية" من القسم الأول إلى القسم الأخير إلى أن صار حمارا كاتبا لا يشق له غبار. لكن المدرسة "الحميرية" كما تعلم عزيزي المتلقي المحترم، لا تدرّس الأدب ولا الفن ولا تهتم لأصحابه، إذ آخر ما تنظر إليه هو الأدب.
وقد تحدث أحد الحكماء يوما بعظمة لسانه وهو في كامل قواه العقلية، أن الشعر والأدب والفلسفة مضيعة للوقت، وكنت آمل منه أن يزيد على هذا، بالقول أنها مفسدة للعقل والذوق ومصدر كل شرٍ و بلية.
تركت كل هذا الهراء والنهيق جانبا، ووضعت رأسي إلى رأس حماري الذي كان مشغولا بِأكلِ التبن، ثم سألته: أنت كاتب وتأكل التبن؟
أجابني بهمهمة وقد أحدث زفرة عميقة: كُلْ التبن، وادْهن فُمّك بالسمنْ.
كنت واقفا، ولكن من هول الصدمة جلست، وقلت لنفسي: من الآن وصاعدا يمكنك أن تمتطيني أنت الكاتب وأنا الحمار.
64482E8B-AD21-4651-946E-D8BFF261423E
64482E8B-AD21-4651-946E-D8BFF261423E
عبد القادر لحميني (المغرب)
عبد القادر لحميني (المغرب)