تحولات عميقة في الأردن

تحولات عميقة في الأردن

02 مايو 2018
+ الخط -
انتزعت نقابة المعلمين الأردنيين، بعد إضراب جزئي عن العمل في مدارس المملكة، والتلويح بالتصعيد، قرارا حكوميا بالتراجع عن تعديلات نظام الخدمة المدنية الذي وضع آلية تؤدي إلى إخراج 2% من موظفي القطاع العام سنويا، بسبب ضعفهم، حيث يشكل العاملون في قطاع الخدمات 33% من القوى العاملة في الأردن، حسب منظمة العمل الدولية.
استطاعت نقابة المعلمين أن تحصل على تعهد حكومي بإقرار نظام خاص بالمعلمين، وهو ما نزع فتيل الأزمة، وقطع الطريق على تصاعد الاحتجاجات، وساهم في تفويت الفرصة على النقابة من الانتقال من تمثيل المعلمين إلى لعب دور مظلةٍ تمثل موظفي القطاع العام. وجاء تحرّك هذا الجسم الثقيل في البيروقراطية الأردنية، متواكبا مع حركات احتجاجية على الظروف الاقتصادية، كان جمهورها الأساس من شريحة الموظفين والمتقاعدين.
لا تمتلك هذه النقابة خطاباً سياسيا، وقد انتزعها المعلمون واحدةً من ثمار الربيع العربي الأردني 2011، والتي تضم في عضويتها نحو 125 ألف معلم، بعد نحو أزيد من نصف قرن من تعطيلها. وهي تشكل ضمنا القاطرة التي تقود الفعل الاحتجاجي من داخل مؤسسات الدولة على مختلف المستويات، الاقتصادية والوظيفية.
وقد تأسست أول نقابة للمعلمين الأردنيين في مطلع الخمسينيات، ثم تم حلها في 1956 شأن بقية النقابات المهنية، مع حل الأحزاب السياسية وحظر أنشطتها، لتعود النقابة في سبتمبر/ أيلول 2011، وتصبح مظلةً تضم نحو 55% من العاملين في القطاع العام.
وجاءت تعديلات نظام الخدمة المدنية بناءً على رؤيةٍ حكوميةٍ، عبر عنها رئيس الوزراء، هاني الملقي، بغية الوصول إلى قطاع عام رشيق وشفاف، قادرٍ على خدمة المواطن. وتزامنت تلك 
التصريحات مع إعلان الملك عبد الله الثاني، نهاية العام الماضي، أن الأردن أمام خيار وحيد، الاعتماد على الذات، بعد تراجع جهات دولية وعربية عن تقديم المساعدات المالية للدولة الأردنية. وتشكل مفردة "ترشيق القطاع العام" أحد العناوين التي تشغل صانع القرار في الدولة الأردنية، حيث تتضارب نسب العاملين في القطاع العام، لتراوح ما بين 33 - 62% من حجم القوى العاملة، وهي نسبٌ، مهما كانت، تعد الأعلى في العالم، حسب الخبراء في هذا المجال، وهو ما يؤدي إلى إرهاق المالية العامة وموازنة الدولة ومواردها الشحيحة، في ظل مديونيةٍ تصل نسبتها إلى نحو 95% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط توقعاتٍ بأن يزيد عجز موازنة العام الجاري عن 1.1 مليار دولار.
وتدل احتجاجات نقابة المعلمين، والتي يهيمن عليها اليوم تيار وطني غير محسوبٍ على التيارات السياسية في البلاد، والتي تتقاسم باقي النقابات المهنية، في ظل ضعف أداء النقابات الأخرى، بالنسبة لحجم التحولات التي تعصف بالدولة الأردنية، على مستوى تصاعد النفس الاحتجاجي داخل مؤسسات الدولة من جهة، وتراجع دور الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة على الساحة الوطنية من جهة أخرى. وتترافق تلك التحرّكات داخل مؤسسات الدولة مع حراك شعبي خجول في الميادين والساحات، جل جمهوره من متقاعدي مؤسسات الدولة، وهي السمة التي تشترك فيها مع تحرّك المعلمين الذين ما زالوا في عملهم.
لعل موظفي الدولة، متقاعدين وعاملين، الشريحة الأكثر تضررا من الإجراءات الاقتصادية والإدراية التي انتهجها النظام السياسي منذ ما يزيد على عقدين، وأدت إلى شطب الدور الاقتصادي - الاجتماعي - التقليدي للدولة القديمة، وخصخصة القطاع العام، الإنتاجي والخدمي، والعمل على إخضاع المجتمع والدولة وإعادة هيكلة شاملة تنسجم مع الرؤية النيوليبرالية ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين.
في وقتٍ أعلنت فيه الدولة عن تخليها عن دورها في التوظيف وإيجاد فرص العمل بما يتعارض مع روح الدستور الذي ينص، في بنوده، على أن من واجب الدولة إيجاد فرص العمل والتوظيف، ليترافق هذا التراجع مع ارتفاع نسبة البطالة إلى ما يقارب 18%، حسب إحصاءات رسمية، وشعور نحو 68% من المواطنين بتردّي أوضاعهم المعيشية، حسب أحدث استطلاعات الرأي التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهو ما يعني رفد عوامل الغضب والاحتقان على المستوى الداخلي.
مرّ الأردن بظروف اقتصادية أصعب، في أواخر الثمانينيات، أدت إلى انهيار أسعار صرف 
الدينار وارتفاع المديونية إلى الناتج الإجمالي بنسبة 120%، ليكون الحل السياسي للأزمة الاقتصادية مخرجا أدّى إلى استئناف الحياة البرلمانية والحزبية في البلاد، وإطلاق الميثاق الوطني، مؤسسا لمرحلة جديدة مكّنت الأردن من البقاء. وسيكون على الدولة الأردنية اليوم أن تجيب عن سؤال أي الخيارات الاقتصادية والسياسية التي تمكن البلاد من تجاوز عنق زجاجة الأزمة.
ويبدو خيار فتح الأفق للخيار السياسي والتحول الديمقراطي والوطني الوحيد لمواجهة التحولات الدولية والإقليمية، والتي تضع الأردن أمام استحقاقات كبرى، تطاول فكرة بقاء الدولة، خصوصا مع شح الموارد الاقتصادية، وتفشّي مظاهر الفساد، وتردّي الخدمات الحكومية في قطاعاتٍ حيويةٍ في الصحة والتربية والنقل.
لعل أساس الأزمة الأردنية يتمثل في أن الظروف الداخلية الصعبة تترافق مع تحولاتٍ تطاول المنطقة في ظل التحرك الأميركي المنفرد في القضية الفلسطينية، والانفتاح العربي على إسرائيل، متجاوزا الأردن ومصالحه الحيوية، إضافة إلى تداعيات الأزمة السورية وتعقدها.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا