في الذكرى العاشرة لـ "6 إبريل"

في الذكرى العاشرة لـ "6 إبريل"

09 ابريل 2018
+ الخط -
مرت عشر سنوات سريعا على يوم الإضراب، اليوم الذي لم يكن أحد في مصر يتوقع أن يحدث ما حدث، تماما مثلما لم يستطع أحد التنبؤ بما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
كانت الأيام القليلة السابقة ليوم الإضراب في غاية السخونة والتوتر، جروب الدعوة إلى الإضراب العام يوم 6 إبريل/ نيسان يزداد عدد أعضائه كل دقيقة. الجميع في حالة حماس شديدة، الكل يعمل بنظام مثل خلية النحل، الكل يساهم بأفكار ومعلومات ومجهود أكبر لنشر فكرة الإضراب العام، على الرغم من أنهم لم يتقابلوا من قبل، ولم يكن لهم سابق معرفة، لكن الكل يعمل بإخلاص شديد.
أصدرت وزارة الداخلية بياناً قبل موعد الإضراب بيوم، تحذيراً وإنذاراً، سوف نضرب بيد من حديد، ولن نرحم من يشارك في ذلك الإضراب، لم يزدنا البيان إلا حماساً وتحدياً.
كان اليوم مفاجأة بكل المقاييس، شباب لم تحدث بينهم أي مقابلة علي أرض الواقع يحاولون تنظيم مظاهرات في وقت واحد في كل ميادين مصر، والأمن يلاحقهم في كل مكان، لاحقوا من حاول التظاهر ومن كان ينوي التظاهر، ومن لم يكن ينوي التظاهر، ولكن كانت له مشاركات سابقة في تنظيم التظاهرات، تم اعتقاله من منزله، ضربة استباقية، كما تم القبض على كل من يسير في الشارع، وهو يحمل علم مصر، أو يرتدي ملابس سوداء إشارة اتُفق عليها إلى الحزن والاعتراض على الأحوال في مصر. الشوارع خالية، المحال التجارية مغلقة، الطلاب لم يذهبوا إلى المدارس والجامعات، والمصالح الحكومية بلا موظفين، وفي مدينة المحلة الكبرى، مركز دعوة الإضراب، تم إجبار عمال مصانع الغزل والنسيج على الذهاب إلى المصنع بالقوة،
وإجبارهم على العمل، وتم حبسهم داخل المصنع، ومنعهم من الخروج بعد انتهاء الوردية، فتجهز أهالي العمال خارج المصنع وتجمهرت الجماهير، واحتكت قوات الأمن بهم بالغباء المعهود نفسه، فانطلقت الشرارة.
وعلى الرغم من القمع والضربات الاستباقية التي سبقت يوم الإضراب العام، إلا أن ما حدث ضرب مثالا مهما، وهو كيف أنه يمكن للجماهير أن تهب فجأة بشكل عشوائي، وغير متوقع من أكثر السياسيين قدرةً على التحليل، وكيف أنها كادت تتحول إلى ثورة، على الرغم مما كان يحدث في عهد حسني مبارك من تكميم للأفواه وقمع واعتقالات مستمرة، وعلى الرغم من تقييد الحياة السياسية والمجال العام، وعلى الرغم من التأميم والحصار للأحزاب السياسية، وعلى الرغم من التحكم الدقيق للأجهزة الأمنية في كل مناحي الحياة في مصر، تحرّكت الجماهير فجأة بسبب مطالب اقتصادية، ولم تهب جحافل الأمن والغاز وطلقات الخرطوش.
كان إضراب 6 إبريل 2008 إنذاراً عنيفاً لمبارك ونظام حكمه، خرج أهالي مدينة المحلة يطالبون بزيادة الرواتب، وتحسين أوضاع العمل، فوجدوا صور حسني مبارك منتشرة في الميدان الرئيسي في المدينة، فاستنتجوا تلقائيا أن سياسات هذا الحاكم هي السبب في معاناتهم، لم تتوقع الأجهزة الأمنية الخروج المفاجئ للجماهير يوم 6 إبريل، واستخدم الأمن كل أشكال العنف والقسوة والقمع لحصار ووقف الاحتجاجات. لم ينتبهوا إلى الرسالة، واستمر القمع بعد ذلك اليوم العظيم، واستمرت السياسات النيوليبرالية التي زادت الشعب افتقارا، وزادت العصابة الحاكمة والمحاسيب غنىً وثروة وشهوة نحو مزيد من الثروة، فكان الخروج يوم 25 يناير 2011 بشكل أكبر وأعظم. ولكن يبقى السؤال: أين الشباب الذين أطلقوا شرارة الغضب والاحتجاج والإضراب العام في 6 إبريل 2008، وهم أنفسهم الذين كان لهم الدور الرئيسي في إطلاق شرارة 25 يناير؟
إنهم اليوم بين السجن أو المنفى، بعد صدور أحكام على معظمهم، ويقضي بعضهم فترة المراقبة في أقسام الشرطة بعد فترة السجن. وابتعد كثيرون منهم عن الساحة، بعد أن أصبح مجرد المقابلات الشخصية بينهم سبباً للاعتقال، عارضوا حسني مبارك بقوة في عز جبروته، ثم حكم المجلس العسكري، عندما تأكدوا أنه استكمال لفترة مبارك، وعارضوا حكم الرئيس محمد مرسي. ولكن في الوقت نفسه سعوا مرات عديدة إلى الوساطة وإنقاذ الموقف، ورفضوا الانتهاكات التي قام بها العسكر ضد "الإخوان المسلمين" بعد 3 يوليو/ تموز 2013.
تحية لعمال المحلة، وتحية لكل من ساهم في الدعوة إلى يوم الغضب والإضراب العام في 6 إبريل 2008 الذي كان الشرارة الأولى لثورة 25 يناير، وتحية لأرواح كل الشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن فكرة أو مبدأ، وتحية لكل من واجه الموت والقمع وهو يحلم أن يكون المستقبل أفضل.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017