هل تغيّر الإسلاميون؟

هل تغيّر الإسلاميون؟

08 ابريل 2018
+ الخط -
على الرغم من مرور قرابة سبعة أعوام على شرارة الثورات الشعبية العربية (الربيع العربي 2011)، إلاّ أنّ الوصول إلى نتائج وخلاصات من هذه اللحظة التاريخية ما يزال مبكراً، بل ليس من التعسّف أو المبالغة القول إنّ أغلب المجتمعات العربية، بتجاربها المختلفة والمتعدّدة، ما تزال في مرحلة المخاض والمدخلات، وليس المخرجات.
لا توجد حالة واضحة محددة، يمكن أن نقول من خلالها إنّها تمثل نموذجاً مستقراً وثابتاً، فما تزال التجارب، سواء التي دخلت في حروب أهلية وداخلية، أو التي نجحت في عبور مراحل من التحول الديمقراطي، أو تلك التي حافظت على النموذج السلطوي أو أعادت ترميمه، جميعاً (أي تلك التجارب) في مرحلة تحول وتطوّر، وقد تأخذ مساراً مغايراً للمسار الحالي.
باختصار، قلب الربيع العربي المعادلات، وأعاد صوغ المنطقة والدول والمجتمعات، وربما كانت الحركات الإسلامية، بألوانها وصورها المختلفة والمتعدّدة، أحد الفاعلين البارزين في تلك الأعوام، لكنّها كانت أيضاً متأثرة ومنفعلة بمخاض الربيع العربي وديناميكياته.
تأثير الربيع على الحركات الإسلامية والآفاق المتوقعة ورصد الاتجاهات الحالية وقراءتها، كانت عناوين فصول الكتاب الصادر حديثاً عن مؤسسة فريدريش أيبرت في عمان، "آفاق الإسلام السياسي في إقليم مضطرب: الإسلاميون وتحديات ما بعد الربيع العربي"، وقد شارك فيه قرابة 13 باحثاً من دول عربية عديدة (فصوله هي الأبحاث التي قدمت للمؤتمر الذي عقدته المؤسسة العام الماضي في عمّان).
قسّم الكتاب الدول والنماذج العربية إلى ثلاثة رئيسة؛ الأول هو نموذج الإسلاميين في السلطة، كما كانت حالة مصر (قبل الانقلاب العسكري في 2013)، والمغرب وتونس، والإسلاميون في ديناميكية الحروب الأهلية العربية (كما حالات سورية  والعراق واليمن)، والإسلاميون خارج السلطة، لكن ضمن قواعد اللعبة السياسية (كما حالة الكويت والجزائر)، بينما تمّ تخصيص فصل خاص عن الحالة الأردنية والنقاشات فيها.
ثمّة نتائج وخلاصات مفيدة في الكتاب، لكن أحد أبرز المفاتيح المهمة التي أشار إليها يتمثّل في التحولات والتغيرات في حقل دراسة الحركات الإسلامية، سواء من خلال الأسئلة المطروحة، أو الفرضيات أو الأولويات والمهمات البحثية، والمناهج المستخدمة في دراسة الباحثين عن هذه الحركات، إذ دعا الكتاب إلى تطويرها وتحديثها بما يتناسب مع المتغيرات والتحولات الواقعية الكبيرة التي حدثت.
من الأمثلة المهمة التي توضّح هذه التحولات في الأسئلة البحثية أنّ دراسات ونقاشات ومؤتمرات علمية عديدة كانت تركّز، في مرحلة ما قبل الربيع العربي، على سؤال مدى تقبل الإسلاميين للديمقراطية. وبعد الربيع العربي، والتجارب الإسلامية في الحكم، تغيرت صيغة الأسئلة، فلم يعد مصطلح الديمقراطية كافياً، فطرحت أسئلة مرتبطة بالدولة المدنية والمرحلة الانتقالية والحقوق والحريات الفردية، والعلاقة بين الدين والديمقراطية ودور الدين في المجال الاجتماعي والثقافي، بمعنى أنّ الأسئلة أصبحت أكثر تحديداً وتفصيلاً.
بالإضافة إلى ذلك، أعطت التطورات الراهنة في المنطقة، وكذا بروز الداعشية والنفوذ الإيراني، العوامل الإقليمية والدولية، دوراً أكبر وأكثر فعالية في تحديد تطور الحركات الإسلامية وخطابها ورؤيتها وتفاعلاتها، فهنالك انتعاش وانتشار للفكر السلفي الجهادي والحركات المتشدّدة في المجتمعات التي تشهد حروباً داخلية، في مقابل تراجع دور الحركات الإصلاحية، بينما في الدول التي تشهد تطوراً في المجال الديمقراطي هنالك تطور موازٍ في خطاب الحركات الإسلامية، وانتقال أكبر نحو القبول بالديمقراطية، وفصل الدعوي عن السياسي والبراغماتية السياسية.
يرصد الكتاب، في المجمل، معالم تغير الحركات الإسلامية وعوامله، سواء على صعيد الأولويات أو البيئات المحيطة أو الخطاب السياسي والأيديولوجي، أو حتى ميزان القوى داخل المشهد الإسلامي بين التيارات والاتجاهات المتعددة.
النتيجة الأكثر أهمية في خلاصات الكتاب أنّ هذه الحركات ليست معزولةً ولا منقطعةً عن الأنساق والسياقات، فهي تعمل بداية في إطار نسق اجتماعي وسياسي وثقافي يؤثّر عليها. ويلعب، في أحيانٍ كثيرة، دور "العامل المستقل" (أي المؤثر)، بينما يكون خطاب تلك الحركات بمثابة العامل التابع (أي المتأثر)، وهي لاحقاً مرتبطة بسياقات اجتماعية وثقافية وسياسية عامة.
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.