عن أرضنا و"أرضهم"

عن أرضنا و"أرضهم"

08 ابريل 2018
+ الخط -
طوال العقود الماضية، لم يكن الموقف السعودي على هذه الدرجة من الوضوح في ما يخص العلاقة مع إسرائيل. وضوح كشف عنه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال حواره مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية، حين تحدث عن حق الإسرائيليين في العيش بسلام "على أرضهم". الجملة التي تأتي مع اقتراب الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، وفي الذكرى الثانية والأربعين لانتفاضة "يوم الأرض"، كفيلة بنسف كل النضال الفلسطيني على مدى العقود الماضية لاستعادة أراضيهم السليبة، طالما أن "الأمير الشاب" أقرّ بأن هذه "أرضهم".
تبريراتٌ كثيرة صدرت في الإعلام المقرب من المملكة العربية السعودية، لتشير إلى أن بن سلمان لم يكن قاصداً ما قاله، وأنه وازى بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الحياة على أراضيهم. غير أنه بالعودة إلى الحوار الأصلي، يمكن تبيان أن إجابة ولي العهد السعودي جاءت رداً على سؤال واضح وصريح من المحاور، يصف الأراضي الفلسطينية بأنها تابعة لأجداد الإسرائيليين. فرداً على سؤال رئيس تحرير "ذي أتلانتيك"، جيفري غولدبرغ، عما إذا كان ولي السعودي يعتبر أن "الشعب اليهودي لديه الحق في أن تكون له دولة قومية فوق جزء من أرض أجداده على الأقل؟"، قال بن سلمان "أعتقد أن لكل شعب، في أي مكان كان، الحق في أن يعيش في وطنه بسلام. أعتقد أن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في أن تكون لكل منهما أرضه".
سياق السؤال والإجابة كان مبرّراً لإطلاق حالة احتفالية بإسرائيل، وصلت إلى حد وصف كلام ولي العهد السعودي بأنه "وعد بلفور جديد"، وهو فعلياً يرتقي إلى هذا المستوى، طالما أنه تم الإقرار بأن فلسطين هي أرض أجداد اليهود، لكن يبقى أن يتم إعطاء الفلسطينيين بعض المساحة ليعيشوا عليها بسلام، وذلك ضمن "كرم الأخلاق" أو الشفقة. لم يكلف "الأمير الشاب" نفسه في تقديم شرح، ولو مبسطا، للقضية الفلسطينية في وجهة نظر تاريخية حقيقية، بعيداً عن "أساطير الأجداد"، بل زاد بأن قدم ما يشبه الفتوى بأن لا مانع دينياً من وجود دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.
لم تقف تصريحات ولي العهد السعودي عند حدود الأرض، وتقديمها مجاناً إلى دولة الاحتلال، بل ألمح إلى عدم ممانعة سعودية في الدخول في علاقات مع إسرائيل، شرط "حل القضية الفلسطينية ضمن اتفاق سلام". لم يفصح بن سلمان عن صيغة اتفاق السلام الذي يقصده، ربما كان يشير إلى ما تسمى "صفقة القرن" التي يعمل عرّاباً لها، ويحاول الضغط على القيادة الفلسطينية لإمرارها، عبر تعديلاتٍ لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المشروعة. بعد النجاح في هذا المشروع، يفيد بن سلمان بأنه يمكن الانفتاح العلني على إسرائيل فهناك "الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع إسرائيل، وإذا كان هناك سلام، فستكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن".
ما بين التنازل المجاني عن الأرض، والاستعداد للانفتاح، المجاني أيضاً، على الاحتلال الإسرائيلي، تأتي الردود من قطاع غزة والضفة الغربية على "وعد بلفور السعودي"، مسيرات عودة زاحفة تتحدى ترسانة الاحتلال، لتؤكد للإسرائيليين، ومن يدعمهم، بأن الأرض لن تكون يوماً "أرضهم".

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".