مولد سيدي عبد الفتاح

مولد سيدي عبد الفتاح

06 ابريل 2018
+ الخط -
تشتهر مصر بالموالد الشعبية الدينية، والتي يحتفل فيها الأتباع والمريدون بمولد إمامهم أو شيخ الطريقة الصوفية التي ينتمون إليها. ولا يكاد يمر شهر من دون أن يكون هناك مولد لولي من أولياء الله أو شيخ طريقة أو أحد من آل البيت، وهذا أمر اعتاده الشعب المصري منذ أمد طويل، إذ هناك من يقول إنه بدأ مع العصر الفاطمي، ويفسره آخرون بأنه محاولة من حكام هذا العصر لإلهاء الشعب عن فسادهم وظلمهم. ولكن في النهاية تبقى الموالد ظاهرة مصرية خالصة.
بدأنا منذ العام 2013، نشاهد نوعا آخر من الموالد، وهو "الموالد السياسية"، ويحتفل فيها الأتباع بزعيمهم، وتختلف عن الموالد الدينية بعدم وجود وقت محدد، فمع كل قرار أو خطوة يخطوها الزعيم يعتبره بعضهم قرارا تاريخيا وغير مسبوق وسيزلزل العالم كله (ولو كان بناء مبنى أو رصف طريق)، ويحتفلون به.
وقد يأتي أكثر من مرة في السنة الواحدة، ولا ضير في ذلك، فإلهام الزعيم يأتيه كل ليلة ولا حسد. أما أكبر الموالد السياسية فهو ما يتم كل أربع سنوات فيما يعرف في دول العالم بالانتخابات الرئاسية، ويبدأ الإعداد للمولد قبلها بثلاثة شهور، ويكون الاحتفال على مدار ثلاثة أيام، ثم تأتي الليلة الختامية يوم إعلان النتائج، وهو ما تم الاحتفال به هذا العام في ميدان رابعة العدوية في إشارة ذات دلالة لحدث ما.
استمر المولد ثلاثة أيام، واختلفت الصورة عما كانت عليه في المرة السابقة، فقد كان الإقبال ضعيفا إلى درجة كبيرة، ما اضطر رئيس اللجنة العليا للاحتفال إلى عقد مؤتمر صحفي، إذ ظهر اليوم الثالث لتذكير المواطنين وترهيبهم أنّ غرامة الـ 500 جنية للممتنع سيتم تفعيلها. وبالفعل، خاف كثيرون وقرروا الذهاب، ولكن جاءت العاصفة الترابية التي عصفت بمصر لتمنع بعضهم من الذهاب.
لا يمكن لعاقل الإدعاء أنّ الشعب كله يقاطع أو يرفض، فهناك بالتأكيد أتباع ومريدون كثيرون، ليس أقلهم من قال علانية: "لو السيسي قالي أبوك مش أبوك هصدقه"، ولا أكثرهم ممن خرجن يرقصن ويزغردن أمام مقار الاحتفال المنتشرة في كل مكان.
تبعا لأرقام لجنة الاحتفال ذاتها، فإن عدد المقاطعين يقترب من 60%، وهي نسبة كبيرة لها دلالتها، خصوصا إذا قورنت بالفئة العمرية المقاطعة (الشباب). وإذا أضفنا إليها أن نسبة الأصوات الباطلة ترتفع إلى 68%، أي أن حوالي الثلثين من الناخبين قاطعوا وأبطلوا أصواتهم، ولكن هناك على الجانب الآخر الثلث ذهب وشارك وأيد ورقص.
ما حدث قد حدث، والواقع لا يمكن إنكاره، وأمام الرئيس 4 سنوات لاستعادة ثقة المقاطع والمبطل لصوته (إن أراد)، وبالتأكيد لن يتم ذلك بإصلاح كوارث الفترة الأولى (بيع تيران وصنافير، الموافقة على سد النهضة، اتفاقية الغاز...)، فهذه الكوارث لا يمكن للنظام الحالي إصلاحها، لأنه من وقع عليها. أما ما يمكنه فعلا فهو إصلاح الوضع الداخلي وعودة الصورة المدنية الحقيقة للحكم وللشعب المصري، والبعد عن عسكرة الحياة والمحافظات والمشروعات، فقد أصبح كل شيء في البلد عسكريا بامتياز. ويكفي للدلالة على ذلك ما تناقله المواطنون بعد قرار القضاء بإيقاف شركتي أوبر وكريم، بأن ذلك من أجل أن يتقدم الجيش بشركتي ملازم ونقيب. هكذا أصبحت نظرة الشعب لتدخل الجيش في حياة المواطن اليومية.
ولا يخفى على أحد أن الهدف مما حدث في الفترة الأولى من عسكرة الحياة ومنح الامتيازات غير المسبوقة للجيش والشرطة والقضاء والإعلام، هو ضمان الولاء والانتماء، وهو أمر لا يمكن استمراره أو ضمانه، فالأهم والأكيد ولاء الشعب كله لا فئة من فئاته مهما كانت قوتها وسطوتها.
أمام الرئيس الآن هذه الفرصة لإعادة الجيش إلى ثكناته وعودة الحياة المدنية والديمقراطية الحقيقة التي فاضت أرواح شهداء يناير من أجلها، أمامه هذه الفرصة فهل يستغلها؟
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)