الأردن.. نهاية حقبة المحاصصة

الأردن.. نهاية حقبة المحاصصة

06 ابريل 2018
+ الخط -
تشكّل المحاصصة السياسية ملمحا بارزا في شكل النظام السياسي الأردني، القائم على توزيع السلطة على أساس ديموغرافي وجغرافي، في محاكاة لواقع البلاد المبني على عُصَب ثانوية تكرست خلال عمر الدولة الأردنية الحديث الممتد عبر ما يقارب مائة عام.
اليوم؛ وبفعل التطورات العميقة التي عصفت بالمجتمع الأردني خلال العقود الماضية، بدأت تظهر ملامح تململ مناطقي وجهوي في الأطراف المهمشة التي بدأت تشعر بانحسار دورها على مستويي السلطة والثروة، وهو ما يهدد بنية الحكم القائمة وصيغتها باتجاه إعادة صياغتها.
تشكلت صيغة المحاصصة، خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، خصوصا بعد تراجع نخبة الإمارة ورجال حقبة الانتداب البريطاني، لمصلحة طبقة سياسية ناشئة على وقع انتقال الأردن إلى التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة الأميركية التي فرضت حضورها في منطقة الشرق الأوسط وفق مبدأ إيزنهاور؛ ملء الفراغ.
عمليا؛ كانت الحواضر الرئيسية في البلاد، خصوصا إربد والسلط والكرك، هي العناوين الرئيسية في البلاد، لجهة امتلاكها البنية التحتية، من حيث توفر الكوادر المؤهلة علميا وعمليا في البلاد، بعد النهضتين البشرية والتنموية اللتين شهدتهما البلاد، وتمثلتا بتأسيس الجامعة الأردنية والخطوط الملكية الأردنية وميناء العقبة والمنظمة التعاونية، وشق الطريق الصحراوي الذي شكل شريانا حيويا للبلاد، في مقابل عجز المناطق الطرفية والعشائر البدوية وشبة البدوية عن المنافسة على كعكة السلطة حينها.
شكلت أحداث أيلول/ سبتمبر عام 1970 محطة فاصلة في تاريخ الأردن الحديث، لجهة إحداث عملية فرز على أساس جهوي، أدت إلى هيمنة الأردنيين على مفاصل الدولة ومؤسسات القطاع العام، بينما كان القطاع الخاص المجال الوحيد للاجئين الفلسطينيين، والفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الأردنية.
على وقع ما يقارب خمسين عاما من تلك الأحداث، تبدو الصيغة القائمة اليوم وبفعل التغييرات العميقة التي ضربت المجتمع الأردني، خصوصا ارتفاع نسب التعليم في ظل وجود ما يقارب 30 جامعة أردنية، على الرغم من تدني النوعية، أدت إلى إحداث نقلة نوعية في التعليم ونشر الوعي على المستوى الوطني العام.
تضغط التطورات التي عصفت بالمجتمع الأردني على صيغة الحكم القائمة على المحاصصة، والتي تهيمن عليها بنية اجتماعية وسياسية واقتصادية، تعود إلى حقبة سابقة، هي العنوان الأبرز لشكل إدارة البلاد، وهو ما يدفع الفئات الاجتماعية الصاعدة إلى التعبير عن سخطها من حجم التهميش والإقصاء الذي تعانيه على مستوى الإدارة العامة للدولة، وحجم نفوذها ودورها في صناعة القرار الوطني.
أما على مستوى العلاقة الأردنية الفلسطينية، فكان تعبير "الحقوق المنقوصة" الذي اشتقه رئيس الديوان الملكي الأسبق، عدنان أبو عودة تعبيرا عن الشعور بالمظلومية والإحساس بالإقصاء من هذه الكتلة، خصوصا حصتها من السلطة، بما يتناسب مع ثقلها الديموغرافي المتحقق على الأرض الأردنية.
تترافق تلك العوامل والتفاعلات الداخلية مع ارتخاء قبضة الدولة وعجزها عن الإيفاء بتطلعات الطامحين الجدد للانغماس في السلطة على أساس محاصصاتي، مع عجز النظام السياسي عن الاستجابة لتطلعات هؤلاء الطامحين، إضافة إلى عدم قدرته على إحداث تغيير جوهري وفق صيغة المحاصصة القائمة، بفعل الثقل المتحصل خلال عقود من السلطة.
اليوم؛ ومع تنامي الحديث عن "صفقة القرن"، وتداعياتها الثقيلة والتاريخية على الدولة الأردنية، على مستوى النظام السياسي الأردني، وشكل الحكم وصيغته وبنية المجتمع المتغيرة أساسا، وتداعيات ملف اللاجئين الفلسطينيين، سيكون على الدولة الأردنية أن تجيب على سؤال العلاقة الأردنية الأردنية ابتداء، وسؤال العلاقة الفلسطينية الأردنية تاليا.
منطق المحاصصة القائم حاليا سيقف عاجزا عن إجراء أي تعديلات جوهرية تطاول منطقه الداخلي، وهو ما سيؤدي حتما إلى اشتقاق صيغة حكمٍ تؤسس لشكل حكم وإدارة جديد، سيكون على جميع مكونات الدولة، من نظام سياسي ومؤسسات ومجتمع، التعاطي معه، لتجاوز عنق التاريخ في الشرق الأوسط.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا