مزابل التاريخ أطهر منهم

مزابل التاريخ أطهر منهم

05 ابريل 2018

إزينكوط: ما زال الفلسطينيون يؤيدون "حماس" (23/5/2017/Getty)

+ الخط -
حين يتحدّث العسكري يذهب مباشرة إلى المعنى، إلى "التهديد" الحقيقي الذي عليه أن يعد جنوده لمواجهته. ومعظم ما يدور في غرف العمليات العسكرية يبقى من الأسرار العسكرية، ولكن لا بد من أن يخرج للإعلام شيء من هذا، لوضع "الجمهور" في صورة المخاطر التي تنتظره.
هذا في المطلق. وفي وضع يتمتع بحد ما من الشفافية والمصارحة، حين يتحدث شخصٌ مثل الجنرال القاتل رئيس هيئة أركان جيش العدو الصهيوني، الجنرال غادي إيزينكوط، عن "حقيقة" ما يدور في ساحة "المواجهة"، فعلينا الاستماع جيدا لما يقوله، كي نزيل الغشاوة التي يحاول الإعلام، أي إعلام، وضعها على وجوه الجمهور، خصوصا الجمهور العربي الذي يتعرّض لأشرس عملية تزييف للوعي شهدها التاريخ العربي المعاصر، هذا الإعلام الذي بات متخصصا في شيطنة كل شيء جميل في حياتنا، ابتداء من الربيع العربي، وانتهاء بشيطنة كل مظهر من مظاهر المقاومة، ومحو أي حرفٍ متعلق بأي عرق ينبض بالحرية أو الحياة حتى، بل إن هذا العدو أصبح "طرفا" مشاركا لنا في حياتنا، بقدرة قادر، بعد أن كان كيانا غاصبا، ومحتلا مجرما، وبات علينا أن نبتلعه، باعتباره قدرا مقدورا علينا أن نتعايش معه، حتى ولو أكلنا وتجشأنا.
وسط حالة من السخونة في "الميدان" الفلسطيني، بفعل مسيرة العودة الكبرى، وفعالياتها الإبداعية، وذكريات النكبة وانحباس المبادرات السياسية، وتدهور الأوضاع أكثر فأكثر في غزة، وشيوع حالةٍ غير مسبوقة من الخذلان العربي، وتسويق الوهم والوهن والاستسلام لمشيئة القتلة، منح أيزينكوط مقابلاتٍ لوسائل الإعلام العبرية بمناسبة أعياد الفصح، وصف فيها بدقة واقع الحال بين الاحتلال والشعب الذي يعاني منه، بدون مجمّلات أو أكاذيب. ومطالعة سريعة لتقويمات الجنرال المحتل تعطي صورة أقرب إلى الوضوح، ترد بشكل فاضح وواضح على كل من يريد أن يرسم صورةً مزيفةً لهذا الواقع، ويشيطن أنبل ظاهرة في حياتنا، "رغبتنا في غزة تتمثل بالحفاظ على الواقع الأمني السائد هناك حتى نهاية العام، بما يمنحنا الوقت الكافي لاستكمال مشروع القضاء على الأنفاق، لكن احتمالية تدهور الوضع إلى مستويات أكثر عنفا تتعزّز مع مرور الوقت، وهذا يعني أننا نقترب من حرب جديدة".
هكذا يتحدث الجنرال، "غزة تعيش قلقا كبيرا من إمكانية حصول تصعيد كبير. وفي الوقت 
ذاته، يعيش سكان غزة في جحيم حقيقي، ولا يمكن تهديدهم بجحيم إضافي، لأنهم محبطون وفاقدون للأمل.. إذن ما الحل؟". يسأل، ويجيب: "ما زال الفلسطينيون يؤيدون حماس، لأنها استوطنت قلوبهم، كنت سأكون سعيدا لو استطعت القضاء عليها، واستئصالها، لكن الفلسطينيين يؤمنون بمبادئها، ويتضامنون معها. وعلى الرغم من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تحت حكم حماس، لكنهم لا يخرجون للتظاهر ضدها، لأنهم يعتقدون أن ما يحصل لهم هو امتحان من الله، وبسبب إسرائيل. ولو كان الوضع اليوم سيئا، فإن المستقبل يحمل أخبارا جيدة".
هذا في غزة، فماذا عن الضفة الغربية؟ "الوضع الفلسطيني يشهد توترا جديا، لأن الفلسطينيين يكرهوننا جدا، ويريدون السوء لنا. ولعلك ترى ذلك في عيون سكان الضفة الغربية، لأنهم يحتكون بنا على مدار الساعة. وعلى الرغم من أننا نجحنا بإحباط 98% من الخطط الهجومية ضدنا، لكنهم يواصلون العمل والتخطيط. في السنة الأخيرة فقط، اعتقلنا 4600 فلسطيني من المشتبه بهم، وليس لدي شك أن العام الجاري سيكون فيه أربعة آلاف آخرين يفكرون بمهاجمتنا. وفي العام التالي أربعة آلاف آخرين". ويقول: "أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي تزودنا على مدار الساعة بدوافع تنفيذ العمليات بين الفلسطينيين الآخذة بالتزايد يوما بعد يوم، وهذه الدوافع والحوافز هي: الكراهية، الجاهزية، الثقافة، العقيدة الدينية، القناعة المتوفرة لديهم بأن تنفيذ الهجمات ضد الإسرائيليين يكتسب تعاطفا وتضامنا من باقي السكان، هذا الجو السائد سيستمر سنوات طويلة أخرى. كراهية إسرائيل موجودة بين الفلسطينيين قبل سبعين عاما، وستبقى قائمة بعد مائة عام أخرى".
هذا هو القول الفصل، وليفعل الساسة والمتخاذلون، والمتآمرون ما في وسعهم، فحديث العسكر مختلف تماما. ولهذا، لا يتورعون عن إطلاق النار على متظاهرين سلميا، فيقتلون 16 مناضلا ويصيبون أكثر من 1400 متظاهر في اليوم الأول لمسيرة العودة.
"حقائق" إيزنكوط ترد على كل متقعري التطبيع، ومروجي الوهم، وبائعي الاستسلام، بكلام لا يقبل التأويل، فتلك معركة وجود، كانت ولم تزل وستبقى. أما المهرولون إلى الارتماء في حضن الوحش، ومزينو الكارثة، فمزابل التاريخ ستأبى أن تضمهم، لأنها أكثر طهارةً من أن تضم "رفاتهم" العفنة وجيفهم المنتنة.