المبدع بالفعل والمبدع بالقوة

المبدع بالفعل والمبدع بالقوة

05 ابريل 2018
+ الخط -
الإبداع موهبة واستعداد، ولكل ميدان بطل، فهناك من ولد وهو يمتلك من الاستعدادات والمواهب ما يجعله متفوقا في مجال ما شريطة إيجاد ظروف ملائمة له تساعده على الصقل والشحذ لموهبته.
الإبداع سمة مميزة للإنسان، مقارنة بغيره من الكائنات، وهو الأساس في التطورات الحاصلة على التفكير وواقع الإنسان.
ولأن الإبداع مرتبط بالجدة في التعاطي مع الأشياء والأفكار في مجالات شتى، فإنه يبعد الملل عن حياة الإنسان، ويجعله دوما باحثا عن الرؤى الجديدة والوسائل المختلفة من أجل بلورة أفكاره وعلاقاته مع المحيط بما يحمله من عناصر.
لذا يفترض في المبدع أن يكون شخصا ينبهر أمام أشياء يرى فيها ما لا يراه غيره من العوام، وشخصا يمتلك رؤى عميقة بشأن الظواهر، بحيث يستطيع أن يوصل المتلقي إلى اكتشاف الخفي والغامض فيها، وأن يكون له القدرة على إيجاد الحلول للمشكلات بيسر، وبثقة القادر على ذلك مقارنة بغيره، ولا يمكن القيام بذلك بعيدا عن ذكاء غير عادٍ، وأن يكون شغوفا بما يفعل إلى حد الولَه والهوس، فقد يستطيع قضاء أوقات كثيرة في عمله من دون ملل ولا كلل، وأن يمتلك القدرة الفائقة والخلاقة والمتميزة التي تنطلق من الموجود فتضيف إليه ما يخرجه في حلة جديدة غير متوقعة لدى الإنسان العادي، وأن يعيد تركيب الأشياء وفق صيغ جديدة تكون أحسن وأروع.
قد يستحب المبدع ما لا يستحبه الآخرون، مثل الانعزال وكثرة التأمل، وارتياد أماكن بعيدة عن الضجيج والتفاعلات بين البشر بما تحمله من إيجابيات وسلبيات، وقد تكون مشاعره جياشة تتجاوز مشاعر غيره إزاء ما يعتمل في الواقع وإزاء ما يراه يوميا، ولا بد أن يستشعر جمال الأشياء في كل ما يراه، ولا يهمه رأي الآخرين في ذلك، فهم على قناعات لا تحتاج إلى تبرير الآخرين، لذلك فهم ينجزون ما يرومون وما يقتنعون بجدواه، حتى ولو أزعج ذلك الآخرين، كما يحبون الخوض في الغوامض بدل الاكتفاء بظواهر الأشياء.
كثيرة هي السمات التي تميّز المبدع عن غيره، وما قدمناه لن يكون سوى بعضها. هي سمات، من توفرت فيه صار مبدعا بالفعل، يستلذ بما ينجز، غير آبه بانتقاد الآخرين، فهو لا يرى الجدوى ممن يمدحه وممن يهجوه، وكأن الإبداع في تركيبته عنصر ثابت أصلي، لا يستطيع الانفصال عنه. لذا ستجد أن من ليس مبدعا بالفعل قد يترك ما يقوم به، بادعاء كونه إبداعا، بمجرد أن يستمع إلى نقد هذا أو ذاك.
وهنا نميز بين مبدعين، مبدع بالفعل امتلك منذ ولادته استعدادات ومواهب، تمكن من صقلها، فبات مبدعا ناضجا، ينجز ما يراه جديرا بالإنجاز، بيسر وبتركيز فطري، مستمتعا بما يقوم به، مضحيا بوقته وماله من أجل إبداعه، فإذا انتهى منه جعل المتلقي أمام إبداعات حقيقية تحمل أصالة وعمقا وإدهاشا.
وفي المقابل، نجد إنسانا يريد أن يكون مبدعا من دون أن تتوفر فيه جلّ سمات المبدع الحقيقي التي أشرنا إلى بعضها، فتراه مقتحما مجال الإبداع، مقلدا سارقا من هنا وهناك. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من باستطاعته أن يعيننا على التمييز بين المبدعيْن؟
سؤال يجيب عنه ناقد موضوعي يستبعد الذاتية والزبونية والقرابة والمجاملة، ما يجعله حكما يؤخذ برأيه بعيدا عن الإطراء المجاني الذي يرفع من شأن الزائف والمزور على حساب الحقيقي الأصيل.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني