أسئلة ذكرى يوم الأرض

أسئلة ذكرى يوم الأرض

05 ابريل 2018
+ الخط -
نستحضر في ذكرى يوم الأرض واقع القضية الفلسطينية وأسئلتها، ونتصوَّر أن أفضل ما يمكن الحرص على استحضاره بصرامة هو تحولات القضية ومآلاتها. ونفترض أن هذا الحرص سيجنبنا عادات سهلة كثيرة لحظة مقاربتنا قضايانا التاريخية. فماذا يمكن أن نكتب عن ذكرى هذه السنة، ولم نقله في السنوات التي قبلها؟ وبأي منطقٍ نواجه إيحاءات الذكرى في سياقات الراهن العربي والفلسطيني؟
أعرف أن أسلحة كثيرة ممكنة استخدمت، وأن أخطاء كثيرة ارتكبت، كما أن تسويات كثيرة سُطِّرَت، وممانعاتٍ كثيرة ما تزال تُطِلُّ في المواقف العربية والفلسطينية والدولية، إلا أن بريق الأخيرة لم يعد لا كافياً ولا مناسباً لامتصاص الأوجاع التي بلغت العظام، وأصابت أحلامنا إصابات بليغة.. أتساءل: هل يمكن أن نكتفي، كما اعتدنا منذ سنوات، بالتغنِّي بيوم الأرض، ونستعيد أناشيدنا الشجية من أدب المقاومة ونصوصها..، نُمَنِّي النفس، ونُردد بصوت واحد، عابرون في زمن عابر...
يمكن أن يكون الحديث عن يوم الأرض في نظر بعضنا مناسبة للتذكير بالمبادئ الكبرى 
للقضية، حتى عندما يكون قد حصل في الواقع على الأرض ما يدفع إلى ضرورة إعادة التفكير في هذه المبادئ، ولزوم تطويرها بل وحتميته، بالصورة التي تمنحها النجاعة المطلوبة في الفعل السياسي داخل التاريخ.. يمكن أن نحلم باستعادة الأرض كل الأرض، بعض الأرض ونرتب مبرّرات أفعالنا، أو نقول، مع بعض القائلين أمس واليوم، يوم الأرض قادم إنه يوم العودة، ففي السياسة والتاريخ واللغة، يمكننا أن نجد بسهولةٍ مخجلةٍ ومخيفةٍ المفردات المناسبة لمختلف الخيارات والمواقف، وخصوصا في المناسبات التاريخية من قَبِيل مناسبتنا.
أتصوَّر أنه لا أهمية كبرى للتذكير في مثل هذه المناسبات بالمواقف المبدئية العامة، حيث يتم الاكتفاء بإعادة الكلام المعاد. وفي مقابل ذلك، أعتقد أن ربط الذكرى بمختلف التحوُّلات الحاصلة في المحيط الفلسطيني والعربي يمكن أن يشكل أفقاً لرسم ما نعتبر أنه الأقرب إلى روحها، وروح ما نتطلَّع إليه.
ينتابني يأس كثير عندما أقترب من مآلات القضية وأرضها. أتذكّر الخطوات الأولى للحركة الصهيونية، شراء الأرض واحتلال وطن.. كما أتذكّر مختلف خطوات الاستيطان الإسرائيلي وجرافاته، ومختلف الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب فوق الأرض الفلسطينية. أتذكر المخيمات هنا وهناك.. فقد أصبحت إسرائيل تسيطر اليوم على الأرض بالقوة. وبفعل عقود من الاحتلال، أصبح لها ما يعادل أكثر من 80 % من الأرض الفلسطينية.. لكنني أفتح عيوني جيداً على موازين القوى القائمة بين قوة الاستيطان الإسرائيلي وأوضاع الفلسطينيين في غزة، ويزداد شعوري بالخيبة عندما أتابع الانهيارات والارتباكات، ومختلف صور الخراب والقتل 
والتهجير التي تملأ اليوم المجال العربي من المحيط إلى الخليج، حيث تراهن إسرائيل على واقع ما أشرنا إليه من ارتباكات في أغلب مجتمعاتنا، لتظل قوة فاعلة وحاضرة، بل ومؤثرة في وجودنا، وحيث تعلن الولايات المتحدة، بتنسيقٍ معها نقل سفارتها إلى القدس، في زمن بلغ فيه التصدع بين القوى الوطنية الفلسطينية درجةً غير مسبوقة.. فما العمل إذن؟
كيف نواجه الأحداث والوقائع الكبرى المرتبطة بحاضرنا، تاريخنا ومستقبلنا؟ كيف نعيد الصراع إلى الواجهة، بلغة جديدة ومعطيات سياسية وتاريخية مرتبطة بمآلات الراهن العربي والفلسطيني؟ كيف نعيده ونحن نعيش في ضوء تحديات إقليمية ودولية ناتجة عن تداعيات ما يُعرف بانفجارات 2011؟
نتصوَّر، في ضوء ما سبق، إنه آن الأوان لمساءلة أنفسنا جدياً هل الصراع القائم اليوم، عربي إسرائيلي أم فلسطيني إسرائيلي؟ وتزداد أهمية الأسئلة التي رتبنا عندما نكون على بيِّنة من أن اتفاقية أوسلو التي تحولت اليوم إلى مجرد تغطيةٍ جديدةٍ لصور العدوان المتواصلة في الأرض المحتلة، حيث تتواصل، بدون انقطاع، عمليات بناء المستوطنات، وبناء كل ما يعزز الفصل العنصري، مع استمرار مصادرة الأراضي ومعاقبة الفلسطينيين.
نفترض أن الطريقة المناسبة لاستعادة الذكرى تتمثل في ربطها بالأسئلة التي تطرحها مآلات الصراع الجارية اليوم، حيث يمكن أن تدفعنا الذكرى إلى تجاوز غنائية الحنين، وجذرية المواقف المبدئية المترفعة عن واقع الحال العربي الفلسطيني، وحيث يمكننا أن نتساءل: هل عودة اللاجئين تُعَدُّ اليوم أمراً ممكناً؟ هل حَلُّ الدولتين ما زال قائماً؟ إذا كان كذلك، فكيف نفكر فيه في ضوء مآلاتنا في الراهن العربي الفلسطيني؟ أما مشروع دولة واحدة، فهل ما زال يُشكِّل مشروعاً للنضال السياسي؟ تتيح لنا هذه الأسئلة مداخل لمعاينة الحال العربي.. ومعاينة واقع الأحوال والتحوُّلات الحاصلة في الواقع الفلسطيني، واقع الفلسطينيين في غزة، وواقعهم في الشتات، وواقعهم في سورية والعراق ولبنان وليبيا والخليج.
C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".