ماكرون ولغة المصالح

ماكرون ولغة المصالح

29 ابريل 2018
+ الخط -
بدا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، واثقاً وهو يقدم قراءته للتاريخ ورؤيته للحاضر واستشرافه للمستقبل، إذ استطاع أن يسحر عقول أعضاء الكونغرس الأميركي ويثير إعجابهم، ما جعلهم يكثرون التصفيق والوقوف له تعبيراً عن مدى رضاهم بما يقول.
في خطابه التاريخي هذا، يرسم الرئيس الفرنسي خارطة التعاون الفرنسي الأميركي ومستقبل العلاقات بين البلدين، إذ تأتي زيارته للكونغرس بعد مرور 58 عاماً على زيارة مماثلة للجنرال شارل ديغول.
لقد تكلم بنِدِيَّةٍ تجعل بلاده وكأنها تستدعي أمجادها التليدة ودورها في تشكيل العالم كقوة استطاعت أن تبسط هيمنتها على كثير من دول العالم في عصر الإستعمار، وهو يستدعي حضارة القارة العجوز التي اجتاحت العالم ومكّنت لثقافتها ولغاتها. كما أظهر ماكرون احتفاؤهم كغربيين بالفرانكفونيين والإنجلوفونيين وانصهارهم في المجتمع الغربي ودورهم في رفد الثقافة الغربية بمنتوجهم الأدبي والفني والثقافي والسياسي، ليدلل بذلك على حرصهم على المساواة والحرية والعدالة، مستصحباً في هذا المضمار حقوق الإنسان والمرأة.
وأبدى الرئيس الفرنسي ثقافة ثرّة، وهو يقف على محطات التاريخ ويستنطقها ويؤكد ريادة بلاده في صناعته، مؤكداً في الوقت نفسه حرص بلاده على أمن وسلام العالم والعمل مع أميركا لتحقيق نهضة الشعوب واستقرارها واحترام سيادتها. وأثار إعجاب الحضور حديثه عن حقوق الأطفال واهتمامه بمستقبلهم وتأمين حياة كريمة لهم.
لقد أبهر هذا الشاب الأربعيني الجميع، وهو يضع يده على مواضع الداء من القضايا الملحة والتهديدات التي تهز العالم، لكي يضع بلاده في رأس الرمح وهي تشابك أياديها مع أميركا لتمسكان بدفة القيادة.
بطبيعة الحال، فقد كانت ملفات الشرق الأوسط حاضرة، خصوصا في الملف النووي الإيراني، إذ تحدث ماكرون نافياً بحزم أحقية إيران في تملّك سلاح نووي، وأنهم لا يسعون لإشعال فتيل حرب في الشرق الأوسط، ليعيدوا بذلك التاريخ المظلم الذي ساد المنطقه يوماً ما. كما برّر موقفه من الضربة الثلاثية على سورية، وأنهم مع الحل السياسي الذي يرضى به السوريون.
ودعا الرئيس الفرنسي نظيره ترامب لإعادة النظر بشأن اتفاق باريس حول المناخ، الذي كان يأمل منذ فترة طويلة عودة الولايات المتحدة إليه.
لقد عزف ماكرون على الأوتار الغليظة التي تشكل هموم الأوربيين والأميركيين، فكلهم يعانون من العنصرية والتمييز والبطالة والإرهاب، وهو بذلك يحثهم على مجابهة التحديات التي تواجه مجتمعاتهم وبذل مزيد من الجهد المشترك فيما بينهم للخروج بالعالم إلى بر الأمان.
إنهم يدركون جيداً حتمية التحالف والتعاون للوصول إلى مرافئ أمانيهم في أن يكونوا هم طليعة العالم ومحور إلهامه وقيادته لأنهم يطالعون المستقبل ويضعون الخطط الإستراتيجية التي توفر لهم ذلك، فهل يعي زعماؤنا الدرس؟
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
مصعب محجوب الماجدي (السودان)
مصعب محجوب الماجدي (السودان)