سينما وسيارة.. وسيسي

سينما وسيارة.. وسيسي

26 ابريل 2018
+ الخط -
هناك شيء غير مفهوم في عرس السينما الكبير في السعودية. الحفاوة الكبيرة بالسينما تشبه أن يحتفل الزوج بعيد زواجه الخمسين، وكأنها ليلة الدخلة. لعمرك إن قابوس بن هندٍ ... ليخلط ملكه حمق كثير.
تابعت تقارير وتحليلات في أخبار على قنوات فضائية، فلم أجد قارئاً للفنجان السياسي، يشير إلى غرابة هذه الحفاوة، والطين كثير في أسفل الفنجان، ولا بد أن وراء الأكمة والكواليس ما وراءها. غرّدت زرقاء اليمامة قائلةً: أقسم بالله لقد دبَّ الشجر/ أو حِمْيَر قد أقبلتْ شيئًا تجرّ.
لم تعد السينما صندوق الدنيا كما كانت يوماً، بعد تلاطم بحار اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، ففي كل بيت سعودي تلفزيون، وصحون كالتي لدى وكالة ناسا تستقبل بث الأقمار الصناعية، التي تحتاج برامجها وأفلامها الترفيهية وكاميراتها الظاهرة والخفية إلى أعمار، كأعمار قوم نوح لمتابعتها.
زهد المجتمع السوري باكراً في السينما، وكان سبّاقاً إلى الفنون من بين أشقائه العرب، وأذكر أن السينما الوحيدة في بلدتي أغلقت أبوابها في سنة 1978، وخسرتْ معركتها أمام التلفزيون، والذي لم يكن يعرض سوى الأخبار والدعايات والمسلسلات، وفيلم قديم يوم الخميس. وكان يصل إليها البث المجاور التركي والعراقي، وكانت برامجهم أكثر بهجةً من برامج مع الفلاحين، ومع العمال، والشرطة في خدمة الشعب، ثم تأتي الأخبار مع المجرمين، فنبلغ مجمع البحرين في السهرة، فنمضي حقبا. وأقدّر أن دور سينما حلب، وكانت حوالي عشر، أغلقت أبوابها في الزمن نفسه وهزمت، وتحولت إلى صالات أفراحٍ وأعراس، ولم تبق سوى دور سينما الفنادق ذات النجوم الخمس في العاصمة. وأرى أن الماتريكس السوري الحاكم، الماسك لجام المجتمع، فضّل التلفزيون على السينما، فضيّق الخناق على الصناعة السينمائية، حتى أن النقاد كانوا يستغربون أن يروا نجوم التلفزيون والدراما يُكرّمون في مهرجانات السينما، ولم يظهروا في فيلم واحد.
ولا أعرف سبب كل هذه "العراضة" في استقبال السعودية السينما، هل هي نكاية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم هو شوقٌ حقيقيٌّ للفن السابع، وقد صار هناك فن ثامن وتاسع وعاشر... أهل الشام يسخرون ممن يأتي الأمر في غير موعده بالقول: يطعمك الحج والناس راجعة؟
المعروف أن الناس تميل إلى الراحة، وقد صارت شاشة التلفزيون تعادل شاشة السينما أو نصفها، إذا قدّرنا مسافة البعد، وقسمنا الشاشة على عدد المشاهدين، والبيت مكيف، دافئ شتاء، بارد صيفاً، ويستطيع المشاهد أن يضطجع أو يتكئ أو يستلقي كالنائم، بل وأن يتابع شاشته على السقف، كما في بيوت الأغنياء، ويأكل ما شاء من الطعام والفواكه في أثناء الفيلم، بل وأن يوقف العرض حتى حين، ويشاهد فيلمين في وقت واحد. ويستطيع أن يأكل برميلاً من البوشار. السينما لا بد لها من البوشار، ويستطيع أن يختار فيلماً من آلاف الأفلام النادرة القديمة، أو الحديثة، مجاناً أو بمبلغ صغير، وأن ينافس البطل في بطولة القبلات مع صاحبته، وما أحد أحسن من أحد. هناك في الأمر "إنّ"، وبعضهم يقول: في الأمر "إنَّ وأخواتها وخالاتها وعماتها".
إذا كانت الحضارة العربية حضارة نص، فإن الحضارة الغربية هي حضارة صورة، وقد انتشرت بفضل السينما. وقرأتُ لناقد سينمائي يندب السينما: إنها كانت تشبه دور العبادة يوماً. وخير فلم يعبّر عن ذلك الولع بالسينما، هو الفيلم الإيطالي سينما باراديسو، وهو من أفلام سينما المخرج، يروي فيه المؤلف المخرج السيرة الذاتية لبهجة السينما.
ليس في الأمر خدعة سينمائية، ربما كانت السينما خدعةً ومكيدةً، الحرب خدعة، وأكثر ملوك العرب يحاربون شعوبهم، لعل الأمر أن حضور الفيلم في دار سينما أفضل من حضور الفَذِّ، في البيت، بسبع وعشرين درجة؟
نبارك للمرأة السعودية حصولها على حق قيادة السيارة من غير محرم، وهي المرأة الوحيدة في العالم المحرومة من هذا الحق، ونأمل بأن يحصل زوجها على حق التصويت والتغريد من غير رقابة أو غرامة، أما السيسي في العنوان، فهو أيضاً تحديث سعودي، وهو، أي السيسي: فن وذوق وأخلاق.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."