ماذا بعد الضربة الثلاثية؟

ماذا بعد الضربة الثلاثية؟

24 ابريل 2018
+ الخط -
ما إن انفضت قمة ثلاثية في أنقرة، ضمت تركيا وإيران وروسيا، ووضعت هدفها البحث في مستقبل سورية والوصول إلى حل سلمي، حتى نفّذ جيش النظام السوري هجوماً كيميائياً على دوما، فتشكلت غيمةٌ من التساؤلات عن رد الفعل الأميركي.
وقبل أن تنزل الضربة الأميركية الموعودة برداً وسلاماً، فرض الجو الكيميائي وجوده على ساحة الإعلام، وأزاح عن الواجهة الاجتماع الثلاثي في أنقرة، لكن شكل التعامل الأميركي الحذِر، والحريص على عدم إثارة مشكلة كبيرة مع روسيا داخل الأراضي السورية، أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل هجوم النظام الكيميائي. تابع أهالي دوما النزوح، وتحرّكت قطعات الجيش السوري باتجاه الجنوب إلى الخاصرة الدمشقية في مخيم اليرموك، وأطراف حي التضامن، وبدأت بالقصف هناك لإخلاء المنطقة، كما يمّمت شطر القلمون، فعقد النظام اتفاقاته التي تخلص إلى تهجير جديد مع "الضمير" و"جيرود" ومجموعة البلدات الصغيرة المحيطة بهما، مفرِّغاً القلمون أيضاً من المقاتلين وذويهم.
كان ذلك كله يحدث فيما عملية غصن الزيتون العسكرية التركية تكمل فصولها، ليسيطر الجيش الحر المدعوم تركياً على عفرين بشكل كامل، وهو يعد العدة، فيما يبدو، للتحرك إلى مناطق أخرى، لتوسيع سيطرته، وجعل مدى أمانه أكبر في ظل تفهّم روسي، وغضّ بصر إيراني، وتململ أميركي لن يسفر في الغالب عن شيء.
تبدو الدول الثلاث، تركيا وروسيا وإيران، ممسكة بالفعل بجزء كبير من الملف السوري، فتركيا نشطة في الشمال، وتحاول تطهير القطاع الملاصق لحدودها من المقاتلين الأكراد، وتتحرّك إيران مع روسيا في الوسط لتعيد إلى النظام السيطرة على كل البؤر الصغيرة والكبيرة التي كانت تسيطر عليها المعارضة، مع الحفاظ على وضعية الجمود في درعا، حيث الحدود الملاصقة لفلسطين المحتلة. وفي الشمال، في محافظة إدلب بالذات، يخيم الهدوء نفسه، حيث يمكن أن تكون المنطقتان موضوعاً لمحادثات "سورية سورية" برعاية دولية في جنيف، وهو الاسم الذي تكرّر في البيان الختامي لمؤتمر القمة الثلاثي في أنقرة، مع غياب ذكر مؤتمري سوتشي وأستانة ضمن الوضع الجغرافي الجديد.
قد تصبح الحاجة ملحةً لتوسيع هذا الإطار الثلاثي في مرحلةٍ مقبلةٍ، فقد نقلت تقارير إخبارية أن طيراناً عراقياً نفذ هجماتٍ جويةً على وجود "داعش" وتجمعاتها داخل الأراضي السورية، وكذلك عن تدخلات إسرائيلية في الجنوب، ومنعها أي محاولة إيرانية من التقدم نحو حدودها.
ثمّة صعوبات تعترض توسيع التجمع الثلاثي، ليشمل دولاً أخرى، فالجميع متمترسٌ بما كسبه. وليس هناك نية بالطبع لدى أي قوةٍ من القوى الثلاث الأساسية بسحب قواتها العسكرية من سورية، لا الآن ولا في المستقبل المنظور. وهذا يفسح المجال أمام احتمالاتٍ كبيرة، فالاتفاق بين هذه الدول قد ضيق جبهات المواجهة، وحدّدها، وحصرها في أربعة أماكن رئيسية: المنطقة التي يحتفظ بها النظام، وهي تشكل حالياً القسم الأكبر من سورية. ويبدو أن هذا القطاع الكبير فيه تجاوز لـ"سورية المفيدة"، لتصبح سورية المقيدة، وهي المحاطة بما يشبه الحصار. وتحتل القوى الكردية المرتبة الثانية من حيث السيطرة المساحية، ومن خلفها دعم أميركي قلِق، سيُحدث انسحابه، في أي لحظة، تفجيراً جدياً في الوضع، وإزاحة للطاولة يميناً وشمالاً. وهناك منطقة إدلب، وهي رقعةٌ مساحيةٌ تتاخم الحدود التركية، والأهم أنها تحاذي منطقة النظام الحميمة، وتهدّده بشكل مباشر. أما المنطقة الرابعة والأخيرة فهي الجنوب الذي يسيطر على الحدود مع الأردن و"إسرائيل"، وفي هذه المنطقة، وجود أميركي فعال، ومراقبة إسرائيلية عن بعد، وتلهف إيراني للوصول.
لم يكن الهجوم الكيميائي على الغوطة نقطة فارقة، ولا حتى الضربة الأميركية، لكن العلاقة الفارقة، ونقطة الحيرة والتساؤل هي كيفية التعامل مع المساحات الكبيرة، والمفتوحة على حدود الدول المجاورة، وقد تكون هذه مهمة مؤتمر جنيف العسيرة.