سيناء في ذكرى تحريرها

سيناء في ذكرى تحريرها

24 ابريل 2018
+ الخط -
تعددت صور سيناء في التاريخ، بل وفي عيون المصريين، فهي أرض الفيروز بتعبير جمالي، وأرض المعارك بتعبير وطني، وظلت نقطة صراع عربي إسرائيلى بمنظور صراع تاريخي وجيوسياسي. وهي، بمقاربة اقتصادية، مصدر للثروة، حين تحولت إلى
أرض للاستثمار السياحي، وظفت فيها مجموعات المصالح نفوذها للتربّح منها. واليوم سيناء، وبتعبير عسكري، أرض لمعارك ضد قوى الإرهاب. وهي تظل، بحكم موقعها الجغرافي والاستراتيجي المهم، حاضرة بمفهوم جيوسياسي، وهو ما جعلها جزءا من مشروعات التعاون الاقتصادي بين مصر والسعودية والأردن، فيما يعرف بمشروع نيوم السعودي.
وسيناء بالنسبة لإسرائيل وحلفائها جزء من حل للقضية الفلسطينية عبر توسيع قطاع غزة عبر أراضيها، لاستيعاب الانفجار السكاني المحتمل، وهو حل مرفوض فلسطينيا ومصريا، على الرغم من كل الضغوط التي تمارس على الفلسطينيين من قوى إقليمية، في مقدمتها السعودية، والتي تلوح دوما بملف المساعدات.
لم يعد ما طرح من مخططات لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن تخمينات، فقد أعلنت أطراف عديدة رؤيتها للتسوية التي لم تختلف كثيرا بشأنها مواقف الإدارة الأميركية، مع مجموعة الوسطاء العرب، أو حتى مسؤولين إسرائيليين، كوزيرة شؤون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، جيلا جامليئيل، والتي قالت للقناة الثانية الإسرائيلية إن "أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء"، وهو تصريح سبق زيارتها القاهرة للمشاركة في مؤتمر نسوي، وكشف عن تصوراتٍ تسود دولة الاحتلال بشأن تسوية القضية الفلسطينية. ولم تكن مصادفة أن تطلق الوزيرة الإسرائيلية هذا التصريح قبل مجيئها إلى القاهرة، للمشاركة في مؤتمر ضم ممثلين للحكومة ومجلس النواب، وأقيم بتعاون مصري مع الاتحاد الأوروبي، وقد شكل التصريح إحراجا للجهات المصرية الرسمية، ما استدعى تعليقا لوزارة الخارجية أعلنت فيه
رفضها أي تصريح يمس سيادة مصر على أراضيها وخصوصًا سيناء. وأعلن الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عبر تسجيل صوتي، أنه رفض مقترحا من إسرائيل يقضي بتنازل مصر عن جزء من سيناء لحل القضية الفلسطينية.
أجّرت مصر للسعودية عشرة آلاف فدان من سيناء، وقبلها تنازلت مصر عن جزيرتي تيران ووصنافير، فيما سميت اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، والتي أتاحت لإسرائيل حرية في الحركة الملاحية، ووجود نفوذ سيكمله مشروع نيوم الذي ينفذ جزء منه على أراضى سيناء، وتتشارك فيه قوى اقتصادية دولية، وحضر في مؤتمر إعلانه رجال أعمال إسرائيليون، ما يشكل عودة للنفوذ الإسرائيلي إلى سيناء عبر معبر الاقتصاد الذي يتجاوز الحدود، ويكسر القوانين الخاصة بالدول الثلاث، بحكم أن مشروع نيوم سيصبح منطقة اقتصادية خاصة.
ليست جديدة خطط تسوية القضية الفلسطينية عبر تمديد أراضي غزة إلى سيناء، أو توطين كتلة من الفلسطينيين فيها، إلا أن الجديد، وعلى الرغم من إعلان مؤسسة الرئاسة في فبراير/ شباط الماضي رفضها التنازل عن أي شبر من سيناء، إلا أن هناك ظروف قاسية تعيشها سيناء وأهلها، قد يدفعهم إذا زادت إلى الترحال والهجرة إلى محافظات أخرى.
من جانب آخر، ومنذ ما يزيد عن أربع سنوات، هناك مواجهات متصاعدة بين الجيش ومجموعات مسلحة عديدة في سيناء، وقد تكلف الجيش في مواجهة تلك المجموعات تضحيات وخسائر كبيرة، وكانت حادثة مسجد الروضة مروعة، حيث تم استهداف وقتل ما يزيد عن ثلاثمائة مصلٍّ.
تخوض مصر حربا حقيقية في صحراء سيناء، لا يتم الكشف عن تفاصيلها، وتخيم على المنطقة أجواء الخوف والارتباك بجانب الحصار وحظر التجوال، ويعاني سكان سيناء بجانب التهميش ونقص الخدمات وتضييق أمني وحالات اختفاء أو نقص للسلع، وارتفاع لتكلفة المعيشة عموما، في ظل تراجع فرص العمل التي كانت في الأصل محدودة. وقد تعرّض سكان سيناء خلال الاحتلال الاسرائيلى إلى أوضاع صعبة، وبعد التحرير حلم أهلها بتغير أوضاعهم، إلا انه بعد ما يقارب نصف قرن لم تتغير أحوال سكانها كثيرا، على الرغم من الوعود المتكررة من السلطات المتعاقبة.
في ذكرى تحرير سيناء لا نسمع سوى عن مشروعات التنمية، والاحتفاء بالتحرير الذي يفخر به بكل تأكيد كل المصريين، بل والعرب، لأنهم واجهوا ولأول مرة العدو الإسرائيلى معا، لكن اليوم وضع سيناء على العكس، بعد أن كانت رمزية للمقاومة، يراد أن تكون بوابة للتطبيع مع العدو، بطرق متعددة. وتتفق أطراف عربية على تغيير خريطة الحدود، ليس للتكامل والاندماج والتعاون العربي، لكن طريقة لدمج إسرائيل في المنطقة في تحالف إقليمى جديد.
حين نكتفي بالرواية الرسمية للأحداث، وحين لا يصل إلينا سوى صوت وصورة الإعلام الرسمي، والتصريحات الرسمية، نفقد جزءا من الصورة المحجوبة، والتي قد تساعدنا في رؤية ما لا يُراد أن نراه. وهنا تصبح الروايات الشخصية، والمحلية، وطرق تتبع الأخبار والأحداث من الناس العادية مصدرا مهما يكسر احتكار المعلومات ومركزية الأخبار، لم يكن ذلك ممكنا قبل التطور التكنولوجي الذي كسر حجب خبر أو حدث أو حالة ما. وأخيرا دشّن عدد من الشباب هاشتاج سيناء لدعم القوات المسلحة في مواجهة الجماعات الإرهابية، ومن خلاله استطاع كثيرون من أهالي سيناء على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، نقل الأحداث والظروف التي تحيط بهم، فكان الهاشتاغ تمثيلا لعملية رصد وتدوين اجتماعي وسياسي. وأغلب الظن أن هذه الأدوات ستصبح، في يوم ما، مصدرا مهما للتدوين والتاريخ، والمعرفة وكتابة فصول حقيقية من الأحداث وظروف الناس اقتصاديا واجتماعيا، تصدّرت المواجهات ما
بين الجماعات الإرهابية والجيش على مدار شهرين التدوينات، بما فيها صور الشهداء من الجنود، والقتلى من الإرهابيين. كما برزت أزمة السلع ونقص البنزين، تحدث بعضهم عن أزمات التحرك والسفر من سيناء إلى القاهرة والعكس، والتي يترتب عليها، تعطل حركة التجارة والسلع، وما ينتج عنها من أزمات كتقلص فرص العمل، وسوء الخدمات الصحية، وعدم قدرة المرضى على استكمال العلاج خارج سيناء، واشتكى مدونون سيناويون من تجاهل مشكلاتهم، ليس وحسب من الحكومة. ولكن أيضا من المجتمع المدني والحقوقيين ممن لا يهتمون بما يعانيه أهل سيناء، نتيجة عمليات الإخلاء، وتوقف الخدمات التعليمية، وبعض المصالح الحكومية. وحملت مئات الصور أشكالا متنوعة من المعاناة، فمن طوابير الحصول على أطعمة إلى صور ومشاهد ترصد التهجير، أو فيديوهات ترصد معاناة انتظار أهالي سيناء على الطرق بالساعات للتنقل، لم تخل التدوينات من آثار نفسية لأصوات الرصاص والتفجيرات، وصولا إلى نقص الخدمات والسلع الضرورية.
ما زال حلم تحرير سيناء من الخوف، الفقر، التهميش، والإرهاب، قائما. ومع كل هذه الآمال، تقف سيناء محاصرة داخليا، وتستهدفها قوى إقليمية، وتكتلات اقتصادية بوصفها مكانا لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية، أو أراضي للاستثمار السياحي. وفي الحالتين، يتعرّض أهالها للظلم والانتهاك.
إجمالا، يمكن القول إن لسيناء صورا متعددة، منها ما يظهر على وسائل الإعلام، ومنها ما يحجب. وسياسة التهميش وحجب التنمية عن تلك المنطقة أحد عوامل نشأة قوى الإرهاب وتوطنها، والذي يمثل خطرا لا يقل عن أطماع إسرائيل السابقة واللاحقة، وربما بينها روابط مشتركة. ويحتاج أهل سيناء أن نتحدث عنهم، وأن نؤكد أن نمط التنمية الضروري والأهم هو الذى يتطلع إليه سكانها وأهاليها، ويستوعبهم في مشاريع إنتاجية، وتوفر الخدمات، لتنميتها وحمايتها أيضا.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".