عبء الجمال الثقيل

عبء الجمال الثقيل

23 ابريل 2018

(عصام معروف)

+ الخط -
على الرغم من إقبال رجالٍ كثيرين على تحسين مظهرهم، مستفيدين من التقنيات التجميلية المتقدمة، المقاومة للترهل، من بوتكس وشد، إضافة إلى اللجوء إلى تدخلات جراحية كبرى وخطيرة، مثل قص المعدة التي لم تعد حصرا على النساء، غير أن الرجال في الثقافات كافة لا يخضعون لضغوط صرعات الموضة والجمال التي تستعبد معظم النساء، فتستأثر باهتمامهن، مهما بلغن من ثقافة ووعي. وتعاني أغلبية النساء من هوس الجمال، يبذلن الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على جمالهن ونضارة بشرتهن، يحقنّ وجوههن دوريا بالبوتكس، وينفخن الخدود والشفاه، ويغامرن بالخضوع لمبضع الجراح لشد وجوههن، وتصغير أنوفهن، وتضخيم أثدائهن. وقد بلغ بهن الهوس حدا دفع موسراتٍ منهن إلى كسر ضلوعهن، سعيا إلى خصور ضامرة ومؤخرات مرفوعة. يضعن الرموش الاصطناعية الكثيفة، ويحتملن أوجاع تاتو الحواجب. وقد بات مألوفا أن تقدم البنوك الكبرى قروضا سخية من أجل عمليات التجميل التي لا تتوقف عند حد، وتأتي كل يوم بمقترحاتٍ تمنح النساء ما يحلمن به من صفاتٍ جمالية حرمن منها، يقدمن بجسارة على إجراء تلك العمليات، ويوقّعن بدم بارد على تعهد بمسؤوليتهن الكاملة في حال حدوث الوفاة، غير آبهاتٍ سوى بمواكبة ما تجود به مخيلات أطباء تجميل حققوا ثراء فاحشا من جرّاء هذا الإقبال الجنوني.
والحق أنه لا يمكن لوم هؤلاء النساء، فهن في النهاية مجرد ضحايا ماكينة إعلام ضخمة تشكل نموذجا معينا للمرأة، من لا تلتزم به تخرج من السباق منبوذة ومرفوضة من المجموع. ويبدو الأمر أكثر جسامة لدى الفنانات اللواتي يعانين من لهاثٍ دائم للتفوق، وكسب مزيد من الشهرة والتميز والإبهار. بطبيعة الحال، ما زالت المجتمعات في كل مكان تبدي الرأفة والتسامح، بل والتغاضي عن عيوب الرجل الجمالية، كما تتجه ثقافاتٌ ذكورية معينة إلى منطق التبرير بأن الرجل لا يعيبه سوى جيبه، بمعنى إذا كان مقتدرا ماديا، فكل ما عدا ذلك مغفور. ويصرّ الرجل، مهما بلغت درجة قبحه، على الزواج من فتاة فائقة الجمال. وتبدي أمهاتٌ، لسن حسناوات بالضرورة، اعتراضا شديدا إذا ما فكر أبناؤهن في الزواج من فتياتٍ متوسطات الجمال.
قال لي أحد الظرفاء من معدومي الوسامة: ليست الأخلاق مشكلة، يمكن اكتسابها مع الوقت. ومن الممكن للزوجة سيئة الطباع والأخلاق أن تتحسن وتتربى، لكن الزوجة القبيحة ليست أكثر من مصيبة وقدر فاجع، لا سيما إذا لم تتوفر إمكانية مادية لإجراء بعض التصليحات. وكما تعرفين، سيدتي، الرجل بحاجة إلى وجه جميل يتصبح به.. لا يعرف صديقنا أن للنساء في هذا الزمن، المستقلات ماديا، ذائقة صعبة، فيفترضن كذلك في رجالهن الوسامة والمظهر الرياضي، ويعقدن المقارنات مع نجوم عالميين وعرب، يتمتعون بمظهر رجولي لا يخلو من فتنة، يبدون اعتناءً فائقا بمظهرهم. ويشكل هؤلاء نموذجا وتحديا صعبا للرجل المتكئ على مقولات تراثية، تعفيه من المسؤولية، وتلقي عبء الجمال الثقيل على المرأة حصرا.
من هنا، تلاحظ كثافة حضور الشباب في النوادي الرياضية، وشغلهم الدائم على الوصول إلى اللياقة والجمال، غير مكترثين لاتهاماتٍ توجه إليهم بالخنوثة والميوعة والتشبه بالنساء. ويبدو الجيل الجديد من الشباب العربي أكثر تصالحا مع فكرة العناية بالجمال الذي يتعدّى الاعتناء بلياقة الجسد إلى الاعتناء بالبشرة، وإجراء عمليات تصغير الأنف والحقن بالبوتكس. وثمّة من يتطرّف، ويذهب بعيدا، فيستخدم مساحيق تجميل خاصة بالرجال. وتبث قنوات متخصصة طرق استخدام هذه المستحضرات التي تبرز جمال الوجه. ويتفننون كذلك في تصفيف الشعر ويخترعون القصّات العجيبة، ويعمل مصممو أزياء عالميون على اختراق الحاجز النفسي بين أزياء الرجال.
ليس في هذه الكلمات تحريضٌ على مثل هذا التطرف في الأمر، ولكنها محاولة تحريض الرجل واستفزازه، كي لا يتمادى في الاطمئنان تجاه المسألة، لأنه أيضا معرّض في أي لحظة للخروج مهزوما مدحورا من حلبة السباق المتوحشة المجنونة هذه.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.