في تداعيات غيْبة حفتر

في تداعيات غيْبة حفتر

21 ابريل 2018
+ الخط -
مثّلت غيبة اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن المشهد الليبي، وتداويه في باريس من جلطة دماغية حلّت به، حدثا بارزا من المنتظر أن تكون له انعكاسات على الساحة الليبية. ذلك أنّ حفتر يوصف بالرّجل القوي في المنطقة الشرقية، وهو قائد ما تعرف بـ"عملية الكرامة" (2014) التي ناهضت الإسلاميين، وعارضت حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السرّاج، واستجمعت قبائل ومليشيات أعلنت الولاء للجنرال حفتر باعتباره القائد العام لما يُسمّى الجيش الليبي. ومعروف عن الرّجل اعتداده بنفسه، وافتخاره بسجلّه العسكري، وطموحه إلى رئاسة ليبيا، ومماطلته في القبول بمخرجات اتفاق الصخيرات الذي جمع بين الفرقاء الليبيين. ولذلك مؤكد أنه ستكون لغيابه المفاجئ تداعيات سياسية وعسكرية مهمّة.
من الناحية السياسية، ستتراجع رمزية حفتر وقوّته التنفيذية في المشهد الليبي، لأنّ حالته الصحيّة تُقلّل من إمكانية اضطلاعه بدور قيادي في المرحلة المقبلة. ويستتبع ذلك عمليّا طرح فرضية خلافته، إذ تترك غيبته فراغا من الصعب تداركه في معسكر عملية الكرامة. ذلك أنّه أسّس لمنظومة عسكرية/ أحادية، تنبني على الاستثمار في كاريزما الزعيم، وفي ولاء القبيلة، وفي الإعلاء من قيمة قائد الجيش الذي يتمتّع بصلاحيات واسعة، ويستأثر بمقاليد السلطة وأسباب النفوذ والثروة. ومعلوم أنّ انزياحه عن سدّة القيادة سيُربك المجموعة الملتفّة من حوله، وسيُثير حميّة التنافس على السلطة بين أبنائه وبين بطانته.
احتكار خليفة حفتر القرار، وعدم تعيينه نائبا له، وغياب آليات شفّافة للتداول على قيادة الجيش، يزيد ذلك كله من تأزيم الأمور داخل معسكر الكرامة، ويعطّل عمليّة اختيار خليفة للرجل، خصوصا أنّ المرشّحين لخلافته، سواء تعلّق الأمر بابنه خالد حفتر أو مدير مكتبه عون الفرجاني أو آمر غرفة عملية الكرامة عبد السلام الحاسي أو برئيس الأركان عبد الرّزاق الناظوري، لا يحظون بإجماع قبلي في المنطقة الشرقية، ولا يجدون تأييدا إقليميا واسعا من البلدان المتدخلة في الشأن اللّيبي، وفي مقدّمتها فرنسا والإمارات ومصر. كما تحوم حول بعضهم شبهات فساد مالي وتجاوز في استخدام السلطة. لذلك من الصعب أن يؤول الأمر إلى أحدهم في كنف التوافق والسلاسة والتداول السلمي للقيادة. ويدفع ذلك إلى حدوث نزاع على السلطة بين هؤلاء وغيرهم من الزعامات الطموحة إلى تولّي منصب اللواء الغائب.

من الناحية العسكرية، لم يؤسّس حفتر جيشا نظاميّا/ احترافيا، تديره مؤسّساتٌ واضحةٌ، وتحكمه عقيدة جامعة. بل اغتنم الانفلات الأمني في بنغازي، واستياء الناس من انتشار السلاح، ومن سطوة الفصائل المسلّحة ليستقطب بعض المدنيين ومشايخ القبائل تحت يافطة مكافحة الإرهاب، وضمّ إليه مليشيات موالية للنظام القديم، واستقرب السلفية المدخلية لمواجهة مجلس شورى بنغازي، وتوسّل بمجلس النوّاب ليضفي شرعيةً على خروجه عن مسار الانتقال السياسي في ليبيا بعد الثورة.
وعلى الرغم من نفوذه في بنغازي، وما وجده من دعم مصري ـ إماراتي، لم تتمكّن كتائب خليفة حفتر من تأمين الشرق الليبي، ولم تبسط بعد نفوذها على مدينة درنة. كما تخلّفت عن اللحاق بركب قوّات البنيان المرصوص في أثناء خوضها معركة دحر "داعش" من مدينة سرت. وهو ما أخبر بعدم جاهزية النواة العسكرية لحفتر، أو بعدم جدّيتها في مقاومة الإرهاب. ومن غير البعيد أن تنخرط المليشيات في المنطقة الشرقية، بعد غيبة الجنرال في حمأة الصراعات السياسية على خلافته. دلت على ذلك محاولة الاغتيال التي تعرّض لها العميد عبد الرزاق الناظوري، أيّاما بعد تداول مرض حفتر وشيوع الجدل بشأن مسألة خلافته. كما انعكس اختفاؤه من المشهد العسكري في ليبيا على سيرورة العمليات القتالية الموجّهة ضدّ درنة، فبعد أن كانت الخطى متسارعة لاقتحامها، بدا بحسب تقارير متواترة أنّ بعض الكتائب تراجعت عن حصار المدينة، وغيّرت أخرى مواقعها حول الهلال النفطي. ويشي ذلك بحالة من التململ في صفوف المليشيات الموالية لعملية الكرامة. وفي الأثناء، يبقى مصير درنة مجهولا بين من يُرجّح إمكانية الاستقواء بالأجنبي لاقتحامها، وهو ما سيخلّف استياء لدى الأهالي والرّأي العام اللّيبي، ومَن يُرجّح إمكانية التوصّل إلى حلّ صلحي، يُنهي حصار المدينة الطويل.
صحيح أنّ غياب حفتر يُربك، إلى حدّ ما، الوضع السياسي والعسكري في الشرق الليبي، لما كان يحظى به الرجل من ثقل في المنطقة. لكن في وسع القوى المدنية الليبية الحيّة والدول الفاعلة في الشأن الليبي أن تلتقط هذا الحدث، لتضغط من أجل تعيين شخصيّة سياسيّة مرنة في المنطقة الشرقية، تكون محلّ تأييد في الداخل والخارج، وتكون قادرةً على مدّ جسور التواصل بين شرق ليبيا وجنوبها وغربها، وعلى تحقيق تعاونٍ مثمر مع بعثة الأمم المتحدة وحكومة الوفاق الوطني، على نحو يضمن المحافظة على وحدة ليبيا، ويسمح ببناء السلام، والتوجه نحو بلورة دستور مدني، وتنظيم انتخابات نزيهة، تؤمّن التنافس السلمي على السلطة، وتضع ليبيا على سكّة الانتقال الديمقراطي والاستقرار الشامل.
511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.