السيسي.. ديكتاتور منتخب

السيسي.. ديكتاتور منتخب

03 ابريل 2018
+ الخط -
لم تكن الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر وحيدة المرشح، فهي وفق الهيئة الوطنية انتخاباتٌ تعددية، خاضها مرشحان. ولكنْ، قد يصعب على كثيرين معرفة الاسم الكامل للمرشح الذي كان ينافس عبد الفتاح السيسي. تبرر النتائج النهائية الجهل المطبق بهذا المرشح، فقد حصد السيسي، في نتائج شبه رسمية، نسبة تفوق 90% بما يشبه الإجماع الشعبي. وجرى التصويت من دون أن تسجل مراكز الانتخاب حوادث إعلامية ذات قيمة. جاءت نسبة الإقبال على المراكز متدنية، فقد صوت ثلثُ الذين يحق لهم الانتخاب، فقط، وهي نسبة تعكس معرفة الناس المسبقة بالنتيجة، وتسليمهم بما يحدث من دون اعتراض، في حين صمت منافس السيسي قبل العملية الانتخابية وبعدها وفي أثنائها، وكأنه مُقر في نفسه بأنه يخوض مواجهةً غير متكافئة.
تشبه هذه الانتخابات، في وجوه كثيرة، الانتخابات التي كانت تنظم في عهد حسني مبارك، ونتائجها ليست مختلفة عنها، وقد تناقلت وسائل الإعلام ما حصل مع مرشحي الرئاسة المصريين الذين كانوا يشكلون عائقاً أمام مبارك، وانتهى بهم المطاف إلى السجون أو ردهات المحاكم بوصفهم متهمين.
مع اختلافاتٍ بسيطة، تابعنا قبل فترة قصيرة مشهداً مشابهاً للمشهد المصري، والمسرح كان موسكو.. فقد ترشّح فلاديمير بوتين للمرة الثانية، و"نافسه" مرشحون من ذوي الأجنحة المهيضة. ولأن المناخ في موسكو مختلف قليلاً، لم يحصل بوتين على نسبة تفوق 90%، باعتبار هذه النسبة احتكار عربي، فقد فاز بنسبة 70% فقط، وسط تقاعس عدد كبير ممن يحق لهم الانتخاب عن الإدلاء بأصواتهم، لمعرفتهم بالنتيجة مسبقاً، أو تجنباً للخروج في الطقس البارد.
أعيد المشهد في الصين مع انحرافات تناسب الحالة السياسية، فقد أجمع البرلمان الصيني على انتخاب شي جين بينغ رئيساً. ويمكن له أن يستمتع بهذه الحالة مدى الحياة، فقد تم تعديل الدستور ليناسب بقاءه الأبدي في السلطة. الاختلاف في الحالة الصينية هو الإجماع المطلق على اختيار الرئيس، والإجماع حالة سياسية معروفة متوارثة منذ انتصار الثورة الشيوعية في روسيا قبل قرن، وما زال معمولاً به لدى بعض الدول من بقايا ذاك المعسكر.
حقق الرؤساء الثلاثة حالة مستقرة في بلادهم. رفع بوتين من مكانة روسيا دولياً، وأوجد لنفسه تمدداً عسكرياً مستفيداً من الميدان السوري الذي أتاح له التمادي على الأرض وفي مجلس الأمن، محققاً مكاسب في الجغرافيا وفي السياسة، بالإضافة إلى مكاسب اقتصادية داخلية، على الرغم من ضغوط أوروبا بشأن أوكرانيا. وسجل الرئيس الصيني نقاطاً لصالحه، بتصديه للفساد مع بقاء الانتعاش الاقتصادي الصيني بنسب موجبة، وبأرقام معقولة. وهو يَعِد شعبه ببناء الصين القوية المحمية بجيش كبير. في حين طهَّر السيسي الميدان السياسي من أي منافس، وأوجد فكرة اجتماعية مخيفة، تربط بين غيابه وانتشار فوضى عارمة. ووسط ذلك، مارس السلطة، وغطى الخوفُ من فقدان الأمان على ظهوره التلفزيوني الهزيل، وفقراته الكوميدية وهو يلقي خطاباته، أو خلال زياراته الخارجية.
يمكن أن يقبع الجمهور الذي بيده التغيير في بيته متجنباً الخوض في السياسة، وممتنعاً حتى عن وضع ورقة في صندوق انتخابي، إذا ظن أن كل شيء مستقر. ويمكن أن يحقق له الحد الأدنى من الراحة، وهو شعور نفسي تحرص بعض الأنظمة على ترويجه، بوصفه نوعاً من الإيهام بالأمان، في ظل وجود حالة محددة. والحالة هنا هي وجود السيسي فوق كرسي الرئاسة، ولمدة لا يحدّها دستور، ولا عُرف، ولا وازع شخصي. وقد نجح نظام السيسي من هذه الناحية نجاحاً واضحاً، إذ استطاع أن يُبقي ثلثي المصريين في بيوتهم، ويعطي لنفسه العلامة شبه الكاملة في نتيجة الانتخابات.