رواية الوطن والغربة

رواية الوطن والغربة

19 ابريل 2018
+ الخط -
أسعدني الحظ أن أكون عضوا في فريقٍ من الأصدقاء، أصدر كتابا على سبيل الحفاوة بتجربة الروائي الكويتي الصديق، ناصر الظفيري، عنوانه "ناصر الظفيري.. رواية الوطن والغربة". وعلى الرغم من أن الفريق المكلف بالإعداد لإصدار الكتاب، على صعيد فكرته واختيار الأسماء المساهمة فيه وتحرير مواده وتصميمه ونشره وتوزيعه، قد اختلف كثيرا بشأن اختيار العنوان المناسب للكتاب. وفي إطار ذلك، طرحت أسماء كثيرة جدا فاقت عدد أعضاء الفريق نفسه، إلا أننا عدنا فاتفقنا على أن يكون ناصر فعلا هو رواية الوطن والغربة، خصوصا وأن كلمات ذلك العنوان قد تكرّرت في أكثر العناوين المطروحة والمقترحة من الأصدقاء.
وهكذا صدر الكتاب متراوحا، في مواده كلها، ما بين الوطن والغربة، ليس لأن تجربة ناصر الظفيري القصصية والروائية تكاد تكون قد انقسمت فعلا ما بين هذين المعنيين في الكتابة والجغرافيا وحسب، ولكن أيضا لأن معظم الذين تعاونوا على كتابة فصول الكتاب من النقاد والباحثين والأصدقاء توقفوا كثيرا، في بحوثهم ودراساتهم وحتى شهاداتهم الشخصية، عند تلك الثنائية التي وسمت كتابات الظفيري بميسمها الجارح، وبالذات في السنوات الأخيرة، سواء على صعيد المجموعات القصصية أم الروايات أم المقالات أيضا، خصوصا وأن الظفيري كان من الكتاب القلائل الذي حافظوا على شغفهم الكتابة دائما، وبالتوازن في كل المجالات التي أحبها وأودعها سره الإبداعي كله تقريبا.
ينفتح الكتاب الذي صدر عن دار مسعى للنشر والتوزيع في إطار فعاليةٍ أقامها أصدقاء الظفيري أخيرا في الكويت على مشروعه القصصي والروائي في دراسات ومقالات وشهادات، حاول المساهمون فيها، كل على حدة، أن يسبروا غور الرواية التي رفد بها الظفيري مكتبة الرواية العربية بعدة عناوين ثلاثة عقود. وعندما فكّرنا، نحن أصدقاء ناصر الظفيري، بجمع الدراسات والمقالات المتناثرة على صفحات الصحف والمجلات وفي المواقع الإلكترونية المختلفة في كتاب، استُكمل لاحقا بما كتب ولم ينشر عن التجربة، كنا نحاول أن نفتح الباب على هذا المشروع المتميز لتناوله كما يليق به في سياق ما كتب ويكتب عن الحركة الروائية في الكويت، والوطن العربي عموما.
في تقديمي الكتاب، أشرت إلى بدايات معرفتي بناصر، وتحولات تلك المعرفة على مدى السنوات التي مرت بنا ما بين الكويت، حيث بقيت بانتظار احتمالات جديدة، وكندا حيث هاجر بحثا عن تلك الاحتمالات. ومما كتبته في التقديم؛ "عندما قرّر ناصر الهجرة إلى كندا لاحقا تحت وطأة شعوره بضرورة عمله على تأمين مستقبل أسرته الصغيرة، كانت قد فرّقتنا ظروف انتقال كل منا إلى عمل جديد بعيدٍ عن الآخر. قبل سفره بأيام، زارني في مكتبي ليودعني، ففوجئت بقراره وحاولت ثنيه عنه. قلت له يومها: "أنت موهوب جدا، يا ناصر، وأنا مؤمنة أنك أهم اسم روائي كويتي ظهر في العقدين الأخيرين، فلماذا تغادر وطنك؟".
لحظتها وقف ناصر ليرد علي؛ "وطني؟ وطنك؟ أنت تمزحين طبعا!".
كانت المرة الأولى التي يتخلى فيها هذا الفتى الموهوب بالقص والهدوء عن هدوئه المزمن لصالح غضبةٍ انفجرت، ودمعة تفجرت، عنوانها البدون والوطن.
غادرني ناصر إلى كندا، لكنه لم يغادر الإبداع. لم أشك يوما أن تلك الغضبة الممزوجة بدمعة ستكون رواية.. وكانت لا رواية وحسب، بل روايات حاول فيها ناصر أن يستعيد ذاته ما بين الوطن والغربة في مشروع كتابي ما زال مستمرا باجتهاد ودأب، على الرغم من إنهاك المرض الذي غافل جسده قبل عام ونصف العام تقريبا، ليجعله أكثر إصرارا على المضي في طريق الكتابة باعتبارها الحل الممكن".

دلالات

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.