القمم العربية.. أية جدوى؟

القمم العربية.. أية جدوى؟

18 ابريل 2018
+ الخط -
للمرة الرابعة على التوالي، تعتذر إحدى الدول العربية عن استقبال القمة العربية المقبلة. آخر المعتذرين ولن يكون الأخير هي مملكة البحرين، وقبلها المغرب والإمارات واليمن. وإذا كان المغرب قد برّر اعتذاره عن استضافة القمة العربية فوق أرضه عام 2016 بأنه تعبير منه عن رفضه قمما عربية تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول ممزّقة ومتفرقة، فإن الإمارات والبحرين لم تكلفا نفسيهما عناء إيجاد تبرير لاعتذارهما، أما اليمن فإن ظروفه الحالية المأساوية تشفع له.
ومن بين زعماء دول الجامعة العربية (22 دولة) لم يحضر القمة التي عقدت الأسبوع الجاري في السعودية  سوى 16 ملكا ورئيسا، بينما غاب عنها ستة زعماء، منهم الرئيس السوري الذي جمدت عضوية بلاده داخل الجامعة منذ عام 2011. ومفهوم "الدولة" هنا، أي في الحالة العربية، أصبح تعبيرا مجازيا، لأن عدة "دول" عربية باتت تفتقد مكونات الدولة، أو هي صارت تصنف ضمن الدول الفاشلة، مثل الصومال وليبيا وسورية واليمن. وفي ظل الأوضاع المتدهورة التي تمر بها المنطقة العربية، والحروب التي تشهدها أكثر من دولة داخلها، سيأتي اليوم الذي يتعذر فيه وجود مكان لالتئام القمم العربية، والعثور على من يحضرها.
كانت الغاية، عندما وافقت قمّة عمّان عام 2001 على اعتماد آلية تضمن انعقادا منتظما للقمم
 العربية، هي الخروج بهذه القمم من "حالة الطوارئ" التي طبعت كل قممها السابقة منذ إنشائها عام 1945، فتاريخ القمم العربية "الطارئة" يرتبط في المخيال الشعبي العربي بتاريخ النكبات والنكسات والهزائم والمصائب التي عاشتها شعوبها. ومنذ وضع هذه الآلية الجديدة فشل تطبيقها أربع مرات، بسبب الاعتذارات المتتالية عن استضافة القمم العربية، أعلنتها دول كان عليها دور فعل ذلك.
وعند العودة إلى تاريخ القمم العربية عندما كانت تعقد كل عشر سنوات أو أقل، نجد أنها كانت تصنع الحدث، بل إن أكثر القرارات الصادرة عن قمم عربية، على قلتها، ما زالت تحتفظ بها الذاكرة العربية هي التي اتخذتها قمم طارئة غير مبرمجة. ولما قرّرت الدول العربية عام 2001 انتظام عقد اجتماعاتها، تحوّلت قممها إلى برامج "توك شو" لتبادل السباب والشتائم على الهواء، كما حصل في أكثر من قمة عربية، وفي أهون الحالات إلى غرف للتسجيل يعيد خلالها أمناء الجامعة المخلدون في مناصبهم، مثل رؤسائهم وملوكهم، قراءة البيانات العقيمة نفسها التي تستنسخ عباراتها وكلماتها من قمة إلى أخرى.
في كل التنظيمات الإقليمية الموازية، سواء في أوروبا أو أفريقيا أو آسيا أو في أميركا الجنوبية، تعتبر مؤسسة القمة بمثابة أعلى جهاز تنفيذي، أو بالأحرى بمثابة مجلس إداري أعلى، يرسم الاستراتيجيات الكبرى لهذه التنظيمات، بينما تقوم مؤسسات أخرى بالتنفيذ والتشريع والمتابعة والتخطيط، إلا في حالة جامعة الدول العربية، فإن كل هذه المهام تحتكرها "القمة" التي لا تقوم بها أصلا، فيما لا يُعرف أي شيء عن باقي المؤسسات ومسمياتها وعددها، وبالأحرى أعمالها ومنجزاتها وتمويلاتها التي تصرف على جيوشٍ من الموظفين الأشباح.
فشل جامعة الدول العربية التي أنشئت حتى قبل أن يوجد "الاتحاد الأوروبي" الذي وضعت لبنته الأولى عام 1957، وقبل تأسيس "الاتحاد الأفريقي" الذي رأى النور عام 1963، يعود إلى فشل الأنظمة الرسمية العربية التي هيمنت على مؤسساتها، وحولتها إلى أجهزة تابعة لها وفي خدمتها، بينما يكمن سر نجاح الاتحادات الأخرى في أنها كانت تعبّر عن إرادة شعوبها وتجسّد تطلعاتها وطموحاتها.
وفي ظل استمرار الوضع العربي كما هو عليه، ولا شيء في الأفق ينبئ بأنه سيتغير قريبا، فستبقى القمم العربية مجرّد مناسباتٍ عابرة لقياس درجة حرارة الخلافات البينية، ومستوى التخلف الذي ما زالت الأنظمة نفسها مصرّة على ربط شعوبها به.
لم تعكس قمة الظهران أخيرا فقط حالة الشقاق والنفاق بين أنظمة عربية، وإنما جاءت لتكرس وضعا عربيا مأزوما، عنوانه الأبرز هو انهيار النظام الرسمي العربي القديم الذي بلغ حالة من التعفّن باتت تستوجب عملية جراحية قسرية، لوقف تمدّد الورم السرطاني الذي أدى إلى انهيار دول عربية، ويهدّد بانهيار أخرى.
بداية كل دواء تبدأ بتشخيص الداء، وفي الحالة العربية تجب البداية من إعادة النظر في ميثاق جامعة الدول العربية الذي أصبح متجاوزا، والمفارقة أن هذا الميثاق لم ترد فيه ولا مرة واحدة كلمة شعب أو شعوب، فيما نجد أن ميثاق الاتحاد الأفريقي أورد كلمة شعب ومشتقاتها أكثر من خمس مرات، وفي دستور الاتحاد الأوروبي تكررت الكلمة نفسها ومرادفاتها تسع مرات. ومع ذلك، في كل القمم العربية يتحدث الزعماء العرب عن الشعوب، أو الأمة، وأغلبهم يصادرون قرارات شعوبهم وإرادة أممهم.
ترتبط المسألة الثانية باسم جامعة الدول العربية الذي أصبح هو الآخر متجاوزا، وبالمقارنة 
دائما مع اتحادات موازية، فقد غيرت منظمة الوحدة الأفريقية اسمها ليصبح هو الاتحاد الأفريقي، كما أن دول السوق الأوروبية المشتركة غيرت اسمها ليتخذ اسم الاتحاد الأوروبي، وقد آن الأوان لتغيير اسم جامعة الدول العربية، فالمنطقة العربية التي تظم دول الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا، لا تضم فقط الناطقين باللغة العربية، وإنما تضم شعوبا أخرى تتحدث بألسن غير العربية، من أمازيغ وكرد، وقد حان الوقت لجامعة العرب أن تعترف بهذه المكونات الأساسية، التي تبقى جزءا من النسيج الإثني والثقافي واللغوي والحضاري والتاريخي لشعوب المنطقة ومجتمعاتها، ويجب أن ينعكس هذا التنوع في الاسم أولا.
ويبقى أهم شرط لإعادة بناء تنظيم إقليمي عربي أمازيغي كردي يضم كل دول المنطقة وشعوبها هو مسألة الديمقراطية، فما دامت لا توجد ديمقراطيات حقيقية في المنطقة، لن تكتب لشعوبها قائمة. فالاتحاد الأوروبي نجح في لم شعوب متعدّدة الثقافات واللغات والحضارات، أغلبها كانت متصارعة ومتناحرة في الماضي، بفضل أنظمتها الديمقراطية. والاتحاد الأفريقي الذي يجمع، هو الآخر، دولا مختلفة التنوع والتعدد، فرض على دوله الأعضاء عدم قبول أي عضو داخله يأتي إلى السلطة بطريقةٍ غير شرعية لقطع الطريق على الانقلابات. أما في الحال العربية، فقد تحولت جامعتهم إلى أكبر ممولٍ ومزكٍّ للثورات المضادة التي أفشلت ثورات الشعوب العربية، كما عبرت عنها ذات ربيع من عام 2011.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).