عن مكتبة قطر الوطنية

عن مكتبة قطر الوطنية

17 ابريل 2018

في مكتبة قطر الوطنية (العربي الجديد)

+ الخط -
المكتبة الوطنية في أي دولةٍ مشروع استراتيجي، وواحدٌ من عناوينها ورمزياتها، وثمّة من يذهب إلى أن إنشاءها واجبٌ وطني، وقرارٌ سيادي، ذلك أن تاريخ شعب هذه الدولة، ومنتوجه الثقافي على غير صعيد، يلزم أن يكون من أهم مشتملات هذه المكتبة التي تحمي ذاكرة هذا الشعب. وهي أيضا معلمٌ حضاريٌّ يؤشّر، بالضرورة، إلى تقدم موقع الثقافة والتعليم بين أولويات المجتمع والدولة. وصدورا عن هذين الاعتبارين، وما يتّصل بهما من شؤون، يستحق حدث افتتاح مكتبة قطر الوطنية رسميا أمس في الدوحة استقبالا خاصا، وتثمينا عاليا، فضلا عن انشغال إعلامي يليقٌ به، ليس من مدخل الدعاية والترويج الآنيّين، وإنما من باب وجوب الإفادة من الإمكانات العلمية والمعرفية الوفيرة التي تيسّرها هذه المنشأة، ذلك أن المكتبة الوطنية ليست للاستعراضات المهرجانية والإعلامية، وإنما هي مركّبٌ جامعٌ، يؤدي وظيفةً عابرة للأجيال والاهتمامات والانشغالات، فهي للباحث المختص كما للقارئ العابر، للصغار والكبار. ولمّا كانت مكتبة قطر الوطنية تتوفر على أحدث التجهيزات، وعلى وسائل التكنولوجيا المتقدمة، الرقمية وغيرها، لتسهيل عملية البحث العلمي، ولانتقاء الكتاب واستعارته وإعادته، وللوقوع بيسرٍ على المعلومة، فإن من شأن هذا الأمر أن يدفع الطلبة والدارسين في اختصاصاتٍ متنوعةٍ إلى استثمار هذه "البنية التحتية" فائقة الحداثة، سيما أن هذه المكتبة موصوفة بأنها بحثيّة ورقمية وعامة، وتهيئ خدماتها لكل من توسّل المعرفة والثقافة والعلم. 

ومن المؤسف أن الافتتاح الرسمي لمكتبة قطر الوطنية، ووضع الكتاب المليون فيها أمس، يأتي في أثناء أزمةٍ خليجيةٍ مفتعلة، وهي المكتبة التي تضم عشرات آلاف الكتب والوثائق والخرائط والأطالس والمخطوطات المتعلقة بمنطقة الخليج وثقافتها وتاريخها وكدح أبنائها في الماضي والحاضر، وكذلك المتعلقة عموما بتاريخ الحضارة الإسلامية الجامعة، ونظنّها في هذا الأمر تتفوق على كل المكتبات الوطنية الرسمية في دول الخليج المجاورة. وفي البال أن الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات كان قد أعلن، في مؤتمرٍ له في جنوب أفريقيا، اختياره مكتبة قطر الوطنية أول مركز إقليمي عربي لحفظ التراث العربي والإسلامي في منطقة الشرق الأوسط وصيانته. ومن شديد الأهمية أن يعرف أبناء الخليج، من مختلف الأعمار، الأهمية الجوهرية والاستثنائية للمحفوظات في هذه المكتبة اللافتة في الإقليم والمنطقة.
وإذا كان ضيوفٌ من دولة الكويت وسلطنة عُمان قد شاركوا أشقاءهم في قطر الاحتفال بالمناسبة المبهجة، فإن أسىً ليس هيّنا يشيعه في النفس انشغال حكومات دولٍ خليجيةٍ أخرى باستهداف قطر والتآمر عليها، بدل البحث عن ممكنات التعاون الرحبة، وآفاق العمل الخليجي الموحد، على غير صعيد، ومنه الشأن الثقافي، سيما ما يتصل بحماية ذاكرة أبناء المنطقة، وما يؤالف بين التنويعات الثقافية المختلفة لشعوب دول الخليج. وهذه المصنفات وكتب المستكشفين والمخطوطات والخرائط التاريخية والصور والرسوم وغيرها من أدوات المعرفة والعلم والبحث، في مكتبة قطر الوطنية، تؤكّد بديهيّة الحاجة الدائمة إلى أن يحمي أبناء الخليج العربي بعضُهم بعضا، وأن يكون كل واحدٍ منهم عونا لأخيه. وإذ أذاع القائمون على المكتبة أنها ستقوم بنشر وتعزيز رؤيةٍ عالميةٍ أعمق لتاريخ منطقة الخليج العربي وثقافتها، فإن المرجو توفيقُهم في هذا السعي المحمود، من دون عراقيل ومتاعب من أي كان، سيما ممن عبثت أصابعُهم في خريطةٍ للخليج في متحفٍ فرنسيٍّ يستضيفونه في عاصمة بلدهم، في سلوك كاريكاتوري مضحك، يبعث على الإشفاق عليهم.
أكثر من 150 ألف كتاب ومجلة للأطفال واليافعين، وأكثر من مائتي مصدر إلكتروني يمثل كل منها نافذة على أحدث ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية من كتب ودوريات أجنبية في مختلف التخصصات، وأكثر من 1400 خريطة تاريخية وعشرات الأطالس والأدوات الفلكية والآلات الملاحية والصور التاريخية وغيرها من المقتنيات التاريخية .. هذا بعضٌ قليلٌ من كثيرٍ في مكتبة قطر الوطنية، وكله يستدعي من الجهاز المسؤول والإداري عن هذا المنجز، الكبير حقا، نشاطا إعلاميا في التعريف به أكثر وأكثر، وتشجيع أهل العلم والمشتغلين بالبحث والدرس والإبداع والابتكار على الاستفادة القصوى من هذا المنجز الطموح والناهض.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.