احتلال أجنبي أم وطني؟

احتلال أجنبي أم وطني؟

16 ابريل 2018
+ الخط -
يوم كما العادة في المدينة المزدحمة، أجول في الشوارع سوّاحاً، تخالجني مشاعر متناقضة، فأمس انتهت مسرحية الإنتخابات، فهل تغيّر شيء؟
ستون عاماً ولا أدعي أني عايشتها، ولكن ما وصل إلي من شذرات يؤكد أيمّا تأكيد أنّ الأجيال المتوالية قد عايشت المسرحية نفسها، تلك التي لربما تحمّسوا لها في البداية فتدفق الإعجاب والتصفيق للقائد الملهم الذي ما فتئ يكذب على هذا الشعب، مداعباً أحلامه وخيالاته، مستغلاً قضايا العروبة وفلسطين.
نتحدث هنا عن ثعالب العسكر، والتي سال لعابها طمعاً في قصور مصر وسراياها. ولكن، ما كان ينبغي لتلك الأطماع أن تظهر جهاراً أو يبرز الثعلب نواياه للدجاجة فضلاً عن أنيابه! لذا، خرجوا بشعارات العروبة والوطنية وفلسطين.
في البداية، دعوا محمد نجيب لتصدّر المشهد، ولمن لا يعرف محمد نجيب، فهو الذي كان قد قدم استقالته عام 1942، حين فشل في الدفاع عن الملك، وهو الذي أقسم على الولاء له والدفاع عنه.
كان محمد نجيب بمثابة الجسر العائم الذي يوصل الثعالب إلى أطماعهم، فهم لم يكن لديهم آنذاك، قدرة على العوم، فضلاً عن السباحة. ولما أدرك محمد نجيب أنه كان مجرد أداة كان متأخرا، فقد رست الثعالب على الميناء، وبدأت في نهش كنوز مصر وعزل محمد نجيب عن المشهد ووضعه قسراً تحت الإقامة الجبرية.
محمد نجيب، والذي لولاه ما كانت لتتحقق هواجس الثعالب، كان أول ضحية خيانة من الثعالب، ومذاك ظهر القائد الملهم، والذي رسم ملامح الحكم العسكري.
قضايا كبرى تروّجها الصحافة الصفراء، وتقدم العسكر حماة ومدافعين عن تلك القضايا بوجه الاستعمار والاحتلال، لنكون أمام سؤال: احتلال أجنبي أم إحتلال وطني برائحة السيادة؟
هذه هي الرسالة التي دائما ما يسعى العسكر وإعلامه إلى إيصالها، فبدلاً من الوصاية الأجنبية، كتلك الوصاية البريطانية مثلاً، أصبحنا أمام وصاية من نوع وطني، فشعبنا، وللأسف، لا يستطيع وليس جاهزاً بعد لممارسة الديمقراطية.
هذه الرسالة صرح بها القائد الملهم في السابق، ومرت السنون ليخرج علينا متوردَ الوجه، وهو يحلف يميناً: "كنت أتمنى أن يكون معنا واحد واثنين وثلاثة وعشرة من أفاضل الناس وتختاروا زي ما أنتم عايزين". وإيه اللي حصل؟ "هو اح اح احنا لسه مش جاهزين".

ومن عجيب المفارقات هنا، أن يطالب متوّرد الوجه وإعلامه الشعب بالنزول لصناديق الإقتراع للمشاركة في المسرحية الإنتخابية، مستخدمين شتى وسائل الإغراء، وذلك لنظهر صورة للعالم أجمع، أنّ شعب مصر قادر على المشاركة واختيار من يرغب! رغم أنه سيادته قال أننا لسنا جاهزين بعد لنمارس عملية اقتراع ديمقراطية تجمع أكثر من مرشح من "أفاضل الناس"، فكيف تطالبنا بالنزول لرسم تلكم الصورة التي ارتضيمتوها؟
وهذا يعني أننا قادرون على اختيار من نريد، وهذا يعني أن نسقط حكم وصايتكم، أم تريدنا أن ننافق العالم من أجلكم؟ أعني من أجل أن نظل عبيداً تحت أقدامكم؟
يا سيدي، لدي سؤال يلّح علي ويسلب النوم مني: من هم أفاضل الناس وأهل الشر الذين تقصدون؟
منذ ستين عاما، ونحن نسمع عن أعداء الداخل وتآمر الخارج، واليوم نسمع أهل الشر، فهل هم واحد؟ وإن كان لا، فما الفرق بينهما؟ ما وصفهم؟ هل هم بشر مثلنا؟ هلام كالأشباح، كالجان، أم لا وجود لهم إلا في مخيلاتكم وكتب التاريخ وأساطير الأولين؟
العدو الذي كان يتحدث عنه القائد الملهم، أضحى صديقاً منذ أربعين عاماً على سبيل التقريب لا على سبيل الدقة، وها أنتم تشددون على ذلك. وأما أطماع الولايات المتحدة الأميركية، فنحن لم ننسى زيارتكم الممجدة لشخص ترامب، بعد أن كنتم أبديتم استياءكم من سياسة سلفه، وبدأتم في تسطير صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل وأكثر من ذلك غازلتموه بشتى عبارات الثناء والمديح، كقولك "أنتم شخصية فريدة قادرة على فعل المستحيل" ليرد عليكم "وأنا أتفق" وغمرت السعادة الحاضرين وعمّ السرور في المكان.
avata
avata
محمد حسنين (مصر)
محمد حسنين (مصر)