التغريدة الفاضحة

التغريدة الفاضحة

14 ابريل 2018
+ الخط -
ما أن بدأ الأخ دونالد ترامب تغريداته على موقع تويتر عن سورية، وأعلن عن نيته التدخل العسكري لمعاقبة الأسد، حتى عادت تلك النغمة التي حفظها السوريون جيدا في الأعوام السبعة الماضية، النغمة التي يعزفها موالون لبشار الأسد من المثقفين العرب، من بواقي القومية واليسار، عند أي حديث دولي عن ضرورة معاقبة الأسد على جرائمه، النغمة التي تتهم كل من يعارض نظام الأسد بالعمالة لأميركا وإسرائيل والإمبريالية العالمية، والدخول المأجور في مخطط ضرب محور المقاومة والممانعة، والرغبة في العودة إلى دمشق على ظهر دبابة أميركية، على غرار ما حصل في العراق إبّان التدخل العسكري الأميركي في بغداد وسقوط صدام حسين، وتدمير البنية التحيتة للعراق نتيجة المعارك الحاصلة وقتها. إلى درجةٍ، يبدو معها الأمر وكأن هؤلاء ينتظرون بفارغ الصبر إعلانا كهذا ليبدأوا بوصلات الردح ضد السوريين الذين ثاروا على الأسد، وليجدّدوا تأييدهم المقتلة المستمرة منذ سبعة أعوام، حتى أن أحدهم كتب قبل يومين على صفحته في "فيسبوك": "يجب إبادة كل سوري يؤيد التدخل العسكري الأميركي ضد سورية"، من دون أن ترتجف يده التي يكتب بها مفردة "إبادة"، وكأن من يطلب إبادتهم مجرد حشرات أو جراثيم، ولكن ذلك ليس مستغربا، فقبل سبعة أعوام، قال بشار الأسد، في أحد خطاباته في مجلس الشعب عن السوريين الثائرين ضده، إنهم جراثيم! لم يكتب ذلك "المثقف" إذاً ما هو خارج عن سياق تفكيره، قدوته هو الأسد، وبعض المثقفين على دين أسيادهم.
ولم يجد بعضهم حرجا أيضا في الكتابة عن خيانة السوريين الذين اضطروا للخروج من سورية، فخروجهم هو السبب الأول فيما وصلت إليه حالها، مقارنا بينهم وبين المصريين الذين استمرت ثورتهم خمسة عشر يوما، معتبرا أن ما حدث في ميدان التحرير خلالها لا يختلف عما حدث ويحدث في سورية، وكأن الجيش المصري اقتحم القرى والبلدات والمدن، وهدمها على رؤوس أصحابها وسكانها. وتناسى هذا الأخ المثقف أن أكثر من خمسين ألف سوري قتلوا تحت التعذيب في معتقلات الأسد، وأن هناك عشرات الآلاف من المختفين، وأن هناك الآن مليونا ونصف المليون مطلوب للأمن السوري. لا داعي طبعا للحديث عن باقي الفظائع والجرائم المستمرة، والتي يصبح معها البحث عن الأمان الشخصي حقا إنسانيا تكفله كل الشرائع البشرية، بعيدا عن الشعارات الوطنية الرنّانة، فالوطن الذي لا يمنحك أمانه ليس وطنا، والوطن الذي لا يشعرك بمواطنيتك أيضا ليس وطنا، والوطن الذي يقتلك لمجرد مطالبتك بحقك ليس وطنا، هو مجرّد مسلخ يحثك على البحث عن وطنٍ بديل، سورية تحولت إلى هذا المسلخ.
على أن الأكثر نفاقا هم الذين بدأوا بالصراخ، متذرعين بالخوف على سورية من الدمار، ومدّعين حرصهم على السيادة السورية. وكأن الدمار الحاصل الذي يعرفه حتى سكان القطب الشمالي حصل في المريخ. وكأن ما سبق تدميره ليس سورية. وكأن الاحتلالين الروسي والإيراني لسورية هو عين السيادة الوطنية وقلبها الرحيم. وكأن المليشيات والمرتزقة التي دخلت سورية من كل حدب وصوب، تصبّ في قلب استقلال القرار والسيادة الوطنية، وكأن القصف المتواصل للطيران الحربي الروسي، والاستملاك الروسي للغاز والفوسفات السوري، والتغيير الديمغرافي والتهجير الذي يتم برعاية إيرانيةٍ وروسيةٍ وتركيةٍ هو غاية السيادة الوطنية. عن أي سورية يتحدث هؤلاء ويريدون لنا أن نصدّق ادعاءاتهم، هم الذين صمتوا سنوات كاملة عن واحدةٍ من أكثر حوادث التاريخ المعاصر مأساوية وقهر! هذا عدا أن بعضهم، أو كثر منهم، بارك علنا الاحتلال الروسي والإيراني لسورية بحجة محاربتهما الإرهاب، إذ إن تعريف الإرهاب، بنظر هؤلاء، هو معارضة نظام الأسد.
وبغض النظر عن الخلاف الحاصل المعلن اليوم بين السوريين المؤيدين ضربة عسكرية أميركية والمناهضين لها، فهل يصدّق أحد أن شعبا ما، أو فئة كبيرة منه، تتمنّى أن يتم قصف بلدها بطائرات وصواريخ دولة أخرى؟ وإن كان هذا التمنّي حقيقيا فعلا، أفلا يكون السؤال عما أوصل هذه الفئة إلى حد تمنّي شيء كهذا؟ هل سأل أحد عن حالة القهر واليأس والخذلان والخسارات الكبرى التي مني بها أكثر من سبعين بالمئة من السوريين، حتى وصلوا إلى حد أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه؟ ألا يجب السؤال أولا عن السبب قبل إطلاق الاتهامات بالخيانة واللاوطنية؟
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.