رسائل العيون المغربية

رسائل العيون المغربية

13 ابريل 2018
+ الخط -
من قلب مدينة العيون، حاضرة الصحراء المغربية، التأم بداية قبل أيام اجتماع استثنائي حاشد، ضمَّ زعماء الأحزاب السياسية بكل تشكيلاتها، والبرلمانيين الذين يمثلون الساكنة الصحراوية، والقيادات السياسية المنحدرة من الأقاليم الجنوبية، والمنتخبين في المجالس الجهوية والإقليمية داخل الصحراء، وشيوخ القبائل وأعيانها، من أجل إصدار "إعلان العيون"، للتعبير عن "شجب ورفض ما يدبره ويقوم به خصوم الوحدة الترابية، وخاصة ما أقدم عليه البوليساريو مؤخراً من أعمال عدائية بغية خلق واقع جديد وذلك بالشروع في محاولة نقل بعض عناصره المدنية والعسكرية من لحمادة بالجزائر، وبتشجيع من هذه الأخيرة، إلى المناطق العازلة، الشيء الذي يشكل خرقاً سافراً لاتفاق وقف إطلاق النار، وتجاهلاً لإرادة المنتظم الأممي وقرارات مجلس الأمن".
في خلفية هذا الحدث، يكمن ما رصده المغرب من محاولةٍ لتغيير الوضع القائم على أرض الصحراء، من خلال سعي جبهة بوليساريو إلى الحضور في ما تُعرف بالمنطقة العازلة، عبر البحث عن إقامة منشآت عسكرية أو سياسية، في أفق توطين سكان المخيمات داخلها. وهو ما سيعني تحولاً جذرياً للحقائق الجغرافية والسياسية، وانقلاباً على اتفاق وقف إطلاق النار للعام 1991، وللاتفاقات العسكرية الملحقة به.
يعد سياق هذا اللقاء التعبوي الواسع ومخرجاته امتداداً لتقليد سياسي مغربي راسخ، يعبر عنه داخل أدبيات السياسة بالإجماع الوطني، تجسيداً للموقف الموحد تجاه قضية الصحراء، والذي يتجاوز سقف كل الاختلافات والتناقضات السياسية داخل البلاد.
وتعود فكرة الإجماع الوطني إلى أواسط السبعينيات، حيث فرضت أجواءُ التعبئة السياسية الداخلية لمواجهة تحديات الوحدة الوطنية، على قوى اليسار وأحزاب المعارضة، الانخراطَ القوي في معركة الاختيار الوحدوي، على الرغم من حدة التناقضات التي كانت تطبع علاقتها المتوترة مع الدولة.
والواقع أن المرجعيّة الوطنية لهذه القوى، التي ظلت تعرف نفسها امتداداً لحركة التحرّر 
الوطني، ومسارات قياداتها التي انطلقت في العمل السياسي داخل صفوف الحركة الوطنية وجيش التحرير، يسَّرت كثيراً بلورة هذا الموقف السياسي من قضية الصحراء، والذي تحول في ما بعد إلى جزء من مكونات التوافق الوطني، وإلى مكوّنٍ مشترك للثقافة السياسية السائدة، ثم إلى واحد من الثوابت الدستورية الجامعة لمكونات الأمّة المغربيّة. حيث تم تسجيل، آنذاك، دينامية قوية للانخراط الواسع لرموز من اليسار الاتحادي والمعارضة الاستقلالية، أو من جزء واسع من اليسار السبعيني، في الترافع والدفاع والانتصار للأطروحة الوحدوية، وفي الدحض المنهجي والتاريخي والنظري والايديولوجي والقانوني، لأطروحة تقرير المصير.
وكم كان لافتاً، في سياق سياسي خاص، أن كثيراً من عناصر هذا الترافع، قد صاغتها داخل السجون والمخافر، قياداتٌ يساريةٌ كانت قيد الاعتقال السياسي، لكنها انتصرت، بمبدئية، للخيار الوطني، بغض النظر عن توترات الداخل بين المعارضة والحكم.
تستحضر القراءة الموضوعية لولادة هذا التقدير السياسي جدليات القضية الوطنية والقضية الديمقراطية، ذلك أن ظروف تشكُّلِ ملف الصحراء، بالقدر الذي عزّزت من شرعية المؤسسة الملكية التي أعادت بناء تموقعها السياسي، بوصفها مؤسسة مركزية ضامنة لوحدة الوطن والتراب، خصوصاً من خلال مبادرة سياسية استثنائية في الحجم والطبيعة والنوعية، هي المسيرة الخضراء، كحدث تأسيسي لنوع من "الوطنية المغربية" المتجدّدة، بالقدر نفسه الذي أسهمت في تعزيز الانفتاح السياسي وتجسيد خطوات متواضعة، ولكن مؤكدة في سجل التحول السياسي، انطلاقاً من إيجاد أجواء الثقة بين الفرقاء السياسيين، وتدشين العودة إلى الحياة المؤسساتية والدورة الانتخابية.
بالخطاطة نفسها، وعلى الرغم من اختلاف السياقات، يمكن النظر اليوم إلى استحقاقات القضية الوطنية. ذلك أن إعلان العيون اعتبر نفسه "تجسيداً للإجماع الوطني الراسخ والدائم والمتجدد لكل فئات الشعب المغربي، ومختلف الهيئات السياسية، والمؤسسات التمثيلية والقوى الحية في المجتمع، من أجل الدفاع عن الوحدة الوطنية والوحدة الترابية، والتصدّي لكل المناورات التي تستهدف المسّ بسيادة البلاد، أياً كان شكلها ومصدرها على أي شبر من الوطن الموحد".
وفي الوقت نفسه، دعا إلى "مزيد من تقوية الجبهة الداخلية - ديمقراطياً وتنموياً واجتماعياً - وتكريس تضافر جهود كل فعاليات وشرائح مجتمعنا لمواصلة التعبئة واليقظة، لإحباط كل أشكال المناورات الممنهجة والمتصاعدة التي يدبرها خصوم البلاد".
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي