.. ولترامب انقلابه أيضا

.. ولترامب انقلابه أيضا

11 ابريل 2018
+ الخط -
يبدو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سنته الرئاسية الثانية، مختلفا عنه في سنته الأولى، سواء لجهة علاقته بمساعديه ومستشاريه، أو لجهة ميله الى تركيز السلطات كلها بين يديه، خصوصاً في السياستين، الخارجية والأمنية. وباعتبار أنه جاء إلى الحكم من خارج "الاستبلشمنت" ومن خلفية تجارية، أفقدته أي خبرةٍ أو معرفةٍ بشؤون الإدارة العامة أو السياسة الدولية، فقد أعطى ترامب، في سنته الرئاسية الأولى، صلاحيات واسعة لمساعديه، خصوصا في وزارة الدفاع، فأوكل إليهم وضع السياستين الخارجية والأمنية للولايات المتحدة في مناطق عديدة في العالم وتنفيذهما، خصوصا في سورية والعراق، حيث تمتعت المؤسسة العسكرية، عبر القيادة المركزية التي يرأسها الجنرال جوزيف فوتيل، بصلاحياتٍ واسعةٍ في التعامل مع القضايا الميدانية والاستراتيجية، بما في ذلك العلاقة مع الأتراك والأكراد والروس وغيرهم.
يعتقد الرئيس ترامب الآن أنه نضج كفايةً ليدير بنفسه ملفات السياسة الخارجية والأمنية، بعد تخبطات عامه الأول، ولذلك قام بما يشبه الانقلاب داخل إدارته، حيث طرد كل من يحاول أن يعارضه أو يقاسمه الدور في رسم هذه السياسة، وجاء بآخرين مهمتهم تنفيذ السياسات، وليس المشاركة في صنعها، ولذلك خرج ريكس تيلرسون من الخارجية وحل مكانه مايكل بومبيو، كما خرج مستشاره لشؤون الأمن القومي، هيربرت مكماستر، وجاء بجون بولتون الذي يتفق معه أكثر. وهناك توقعات بأن يتخلص ترامب ربما خلال عام حتى من وزير الدفاع، جيمس ماتيس، إذا شعر منه أي معارضة أو مراجعة في قراراته.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن الرئيس بات يركز الآن كل السلطات بيده، وأن الصراع على صنع السياسة الخارجية قد حسم لصالحه، وأن "الاستبلشمنت" خسرت هذه الجولة أمامه. ويبدو أن وقوع الاختيار على بومبيو لا يعود فقط إلى استعداد الأخير لتنفيذ الأوامر من دون نقاش، بل أيضا أن ترامب لا يريد وزيرا للخارجية، إنما وزير لشؤون الكونغرس، فهذا الرجل بما له من خبرة كبيرة في التعامل مع الكونغرس، منذ كان عضوا فيه، سيكون دوره من الآن تسويق سياسات الرئيس الخارجية لدى المشرّعين، أكثر من تسويقها لدى الحلفاء في الخارج، ومحاولة الحصول على دعمهم، وهي من جوهر مهام وزير الخارجية. هذا يعني أيضا أن السياسة الأميركية سوف تحمل الآن بصمات ترامب أكثر من أي وقت مضى، وسوف تصبح ذات طبيعة تجارية أكثر (transactional) وطبيعة استراتيجية أقل، وسوف يلعب العامل الانتخابي دورا عظيما فيها، باعتبار أن ترامب سيكون هذا العام حريصا كل الحرص على عدم خسارة الجمهوريين أغلبيتهم في الانتخابات النصفية المقرّرة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لأن رئاسته سوف تصبح عندها في خطر شديد.
يبدو، في المجمل، أننا دخلنا في طور جديد غير مألوف في السياسة الخارجية الأميركية التي طالما كان للاعتبارات الاستراتيجية دور كبير في تحديدها، إلى جانب الاعتبارات الانتخابية. أما وقد استأثر ترامب برسمها، وأطاح دور "الاستبلشمنت" فيها، فهذا يعني أننا أمام مرحلة غير واضحة المعالم في سياسات القوة العظمى، سوف تبرز تداعياتها في الشهور الستة المقبلة، حيث يُتوقع أن يحصل اضطراب شديد في السياسة الأميركية على مستوى العالم، وتظهر تناقضات أكبر فيها، اعتمادا على مزاج ترامب وحساباته الانتخابية. ففي الشهر المقبل يتوقع أن يتجه ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة إبرام اتفاق نووي مع كوريا الشمالية، أي القضاء على اتفاقٍ أنجزه أوباما، والتوصل إلى اتفاقٍ يحمل اسم ترامب. كما يتوقع أن تتعقد السياسة الأميركية أكثر في سورية، في ضوء محاولة ترامب تحقيق مكاسب انتخابية فيها، تارة عبر تدخلات محدودة، وتارة عبر إعلان رغبته الانسحاب منها، قبل أن يعود ويغير رأيه، الأمر الذي يؤثر بشدة في حسابات القوى الفاعلة الأخرى على الساحة السورية، دافعا بهم إلى التقارب حينا، والصدام حينا آخر. باختصار شديد، دخلت السياسة الأميركية في حالةٍ من عدم اليقين المطلق، وهي مرحلةٌ خطرةٌ، سيكون لها تداعيات كبيرة تطاول الجميع.