مستقبل الطاقة في العالم حتى 2040

مستقبل الطاقة في العالم حتى 2040

02 ابريل 2018

مشهد موقع لشركة النفط السعودية أرامكو في 1974 (Getty)

+ الخط -
تحتل الطاقة موقع المركز في حياتنا واقتصادنا وسياستنا وحروبنا، وتعتمد عليها حياتنا وازدهارنا إلى حد بعد. وقد كانت دائمًا، وبمختلف أشكالها، سواء الخشب في القديم أم الفحم أم النفط واليوم المصادر المتجددة، كانت في صلب استراتيجيات الدول الكبرى عبر التاريخ، وسببًا في اشتعال الحروب، فمن يسيطر على مصادر الطاقة يملك أهم مفاتيح السيطرة. ونذكر كيف سارعت الولايات المتحدة إلى تشكيل قوات التدخل السريع بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 لتحمي منابع النفط في الخليج، حيث كان الخليج يومذاك المركز الأهم للطاقة الأحفورية آنذاك وما زال.
وبالنسبة للدول المصدرة للنفط والغاز اليوم، وبينها دول عربية، فيأخذ مستقبل الطلب على النفط والغاز موقعاً في قلب اهتمامها، فاقتصادها ورفاهها يقوم على صادراته، ويأخذ هذا الأمر أهمية خاصة مع فرضيات تراجع إنتاج هذه الثروة الناضبة، بعد سنوات تطول أو تقصر، لكنها ليست كثيرة على أي حال، وما يطرحه هذا من تحدياتٍ على هذه الدول لتنمية قطاعات اقتصادية بديلة مستدامة، وهي ليست بالمهمة السهلة.

الطلب على إجمالي الطاقة
لا يبدو، حتى سنة 2040، أن ثمة خطرا حقيقيا على الطلب على الطاقة من المصادر الأحفورية (نفط وغاز)، فقد توقع تقرير شركة بريتش بتروليوم BP لسنة 2018 عن مستقل الطاقة في العالم حتى 2040، وهي شركة نفط بريطانية هولندية عريقة لها معرفة عميقة
بوضع الطاقة في العالم ووضع النفط والغاز ومستقبلها، أن يستمر الطلب على الطاقة بالارتفاع خلال فترة التنبؤ بمعدل يراوح بين 0.9% و1.4% كمتوسط سنوي، وسيتزايد بمقدار الثلث تقريبًا حتى 2040، على الرغم من أن الناتج العالمي سيتضاعف، وعلى الرغم من تزايد السكان بنسبة 23%، ويعود ذلك إلى التقدم التكنولوجي وترشيد استهلاك الطاقة.
وتوقع التقرير أن يرتفع إجمالي الطلب العالمي على الطاقة من 13276 مليون طن مكافئ نفطي (Mtoe) سنة 2016 ليصبح 17983 (Mtoe) سنة 2040. وسيبقى النفط والغاز المصدر الرئيس للطاقة في العالم، على الرغم من تراجع حصتها قليلاً مع تزايد أدوار بعض مصادر الطاقة الأخرى، كما أن خريطة المنتجين والمستهلكين ستتغير، خصوصا بتأثير الصين والهند. سيزداد الطلب على الطاقة بسبب زيادة عدد سكان الكوكب بنحو 1.7 مليار نسمة، ليصبح 9.2 مليارات سنة 2040. كما سيدفع النمو الاقتصادي بالطلب على الطاقة نحو الأعلى، وسينمو الناتج المحلي الإجمالي للعالم بمعدل 3% وسطيًا حتى 2040، وسيرتفع من 109 تريليونات دولار سنة 2016 إلى 235 تريليون دولار سنة 2040، أي بنسبة 215.6%. وستتفاوت معدلات نمو السكان ونمو الناتج بين منطقة وأخرى، لكنها ستؤثر على معدلات استهلاك الطاقة. كما أن ارتفاع متوسط دخل الفرد في العالم سيغير تركيب الاستهلاك، ويرفع الطلب على الطاقة. ويتوقع أن يرتفع المتوسط العالمي لدخل الفرد في السنة من 15 ألف دولار للفرد سنوياً في 2016 إلى 26 ألف دولار سنة 2040. وسيتضافر هذا التأثير مع تأثير تزايد عدد سكان المدن بنحو ملياري قاطن خلال الفترة نفسها، وهذا يغير عادات الاستهلاك، ويزيد الطلب على الطاقة.
حتى سنة 2040 ستبقى احتياجات العالم للطاقة، بمختلف مصادرها، تتوزع بين الصناعة بنسبة 45% من الطلب العالمي، تليها احتياجات المباني السكنية والتجارية بنسبة 30%، يليها قطاع النقل بنسبة 19%، وستكون النسبة الباقية 7% لاستخداماتٍ لأغراض غير الحرق، أي للصناعات البتروكيميائية.
من جهة أخرى، ثمّة عوامل كابحة تضبط زيادات الطلب على الطاقة عمومًا، وعلى النفط والغاز من المصادر الأحفورية التقليدية خصوصا، فبسبب ارتفاع كفاءة الآلات نتيجة التقدم التكنولوجي سيصبح استهلاكها للطاقة أقل من أجل أداء العمل نفسه، وستتحسن كفاءة استخدام الطاقة، وستهبط احتياجات إنتاج واحد مليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي من الطاقة من 122 طنا مكافئ طاقة سنة 2016 إلى 77 طنا مكافئ طاقة سنة 2040، أي سيتراجع استهلاك الطاقة بشكل كبير لإنتاج القيمة نفسها من الناتج المحلي الإجمالي. مثلًا ستكون سيارة الكهرباء سنة 2040 أعلى كفاءة بمعدل 70% عما كانت عليه سنة 2000. وسيزداد عدد سيارات الكهرباء (الهايبرد، أي كهرباء ووقود، أو البطارية فقط)، لتصبح سنة 2040 نحو 300 مليون سيارة في العالم. وسيؤثر هذا سلباً على تزايد الطلب على الوقود الأحفوري.
وبالاتجاه نفسه، سيؤثر نمو الطاقات المتجددة سلباً على الطلب على الطاقة من هذه المصادر، وسيشكل تزايد إنتاج النفط والغاز من الصخر والرمال النفطية، وخصوصا في الولايات المتحدة، منافسًا قويًا لصادرات نفط أوبك، ومنها الدول العربية المصدرة.
الطلب بحسب أنواع مصادر الطاقة
بحسب التقرير المذكور، حتى 2040 سيبقى النفط المصدر الأول لإنتاج الطاقة، ويليه الغاز الطبيعي، وبعده الفحم الحجري، ثم الطاقات المتجددة، وتليها مصادر المياه، وأخيراً الطاقة الذرية.
سيستمر الطلب على النفط بالارتفاع، بمعدلات أقل من السابق، ليصبح عام 2040 نحو 111.5% نسبة لعام 2016، أي زيادة غير كبيرة، وسيبقى محتلاً الموقع الأول في تشكيلة مصادر الطاقة العالمية، على الرغم من تراجع حصته من 33% عام 2016 إلى 27% سنة 2040، بينما سينمو الطلب على الغاز بسرعة أكبر ليصبح 147% عما كان عليه سنة 2016، وسيحتل الموقع الثاني بنسبة 26% سنة 2040، بدلاً من 24% التي احتلها سنة 2016. ومع أن الطلب على الفحم لن يتغير من حيث الكمية، إلا أن حصته من تشكيل مصادر الطاقة ستتراجع من 28% سنة 2016 إلى 21% سنة 2040، على الرغم من الكم الكبير من ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه، وتلويث البيئة، وسيبقى المساهم الأكبر في توليد الكهرباء. ستتقدم الطاقات المتجددة بمجموعها بمعدل تزايد سنوي قدرة 7%، لتحتل الموقع الرابع، بعد تزايد إنتاجها ليصبح 503% سنة 2040 عما كان عليه سنة 2016، وستشكل 14% من مصادر الطاقة في العالم. وستنمو الطاقة الشمسية بنحو 150% مما كانت عليه سنة 2015، وستتراجع كلفة إنتاجها لتصبح في منتصف القرن العشرين منافسة في السوق لمصادر الطاقة الأخرى، من دون حاجة للدعم، وستكون الزيادة الأكبر في إنتاجها في الصين والهند. ثم ستبقى المصادر المائية تحتل الموقع الخامس بنسبة 7%، تليها الذرة بنسبة 4% سنة 2040 متراجعةً من نسبة 5% سنة 2016. وسيزداد إنتاج الطاقة الذرية في الصين، وسيتراجع في أوروبا.
ستؤثر الصين كثيرًا على خريطة الطلب على النفط والغاز، حتى 2040، وستبقى المستهلك الأكبر للطاقة في العالم بفارق كبير عن الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي. ويتوقع أن يبلغ استهلاك الصين من الطاقة نحو 4319 مليون طن نفط مكافئ سنويًا، بينما سيكون استهلاك الولايات المتحدة نحو 2299 والهند 1921 والاتحاد الأوروبي 1460 مليون طن نفط مكافئ. كما ستصبح الصين المنتج والمستهلك الأكبر للطاقات المتجددة، وستنتج نحو 30% من الطاقات المتجددة في العالم، بدلاً من الولايات المتحدة الآن، وستكون المستهلك الأكبر للنفط، وثاني أكبر مستهلك للغاز بعد الولايات المتحدة.
البلدان العربية المصدرة للنفط
حسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2017 والذي يصدره صندوق النقد العربي، فإن البلدان العربية تملك احتياطيا من النفط الخام قدره 710 مليارات برميل نفط نهاية 2016 تشكل 55% من احتياطي النفط العالمي، كما تملك احتياطيا من الغاز الطبيعي بلغ نحو 54353 مليار م3 نهاية 2016 تشكل 27.7% من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي. وقد أنتجت الدول العربية سنة 2016 أكثر من 23.6 مليون برميل نفط يوميا تشكل قرابة 30% من الإنتاج النفطي العالمي. وبما أن النفط والغاز سيبقيان المصدر الرئيس للطاقة، فإن أسواق هذه الكمية المنتجة ستكون متوفرة، وستتجه أسواق النفط والغاز العربية أكثر نحو الشرق، وخصوصا نحو الصين والهند التي سينمو طلبها على الطاقة بشكل كبير، ولا سيما الصين التي تجتهد، ضمن استراتيجيتها العالمية "الحزام والطريق"، لأن تكون القطب الاقتصادي العالمي في 2040، إن لم تكن القطب السياسي والعسكري أيضًا.
يدل هذا المشهد على أن منطقتنا العربية لم تفقد أهميتها السياسية والاستراتيجية بالنسبة للقوى الكبرى في العالم، كما روج بعضهم، ولن تفقدها في العقود القليلة المقبلة على الأقل، وستبقى موضع تنافس للسيطرة على مواردها وأرضها أيضًا. ولعل المساعي الأخيرة الفجة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وطريقته الرخيصة في ابتزاز أموال السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي خير برهان على ذلك. وهنا يصبح استمرار التهديد الإيراني ضروريًا لترامب وإدارته لنيل ما يبتغونه، وهذا ما يفسر لنا ربما سياسة أميركا تجاه إيران منذ 1979، فأميركا تريد إيران خطرًا تهدد به، من دون أن تسمح له بالتمادي أكثر من حدود تكفي لبيع مزيد من السلاح إلى دول الخليج، وطلب رضى أميركا بضخ مزيد من الاستثمارات فيها، ودفع فواتير لا علاقة لها بها.
ولكن وعلى الرغم من هذه الصورة التي قدمها التقرير، والتي لا تبدو الآن مقلقة للبلدان المصدرة للنفط والغاز، فإن ثمّة تحديات ومخاطر يخفيها هذا الوضع، وستظهر نتائجها مستقبلًا. فهي ستواجه تحدياتٍ خارجيةٍ وأخرى داخليةٍ أقوى من السابق. وتأتي الخارجية من منافسة النفط والغاز الصخريين والطاقات المتجددة، أي إن منافسها الرئيس هي التكنولوجيا التي تجعل تكاليف إنتاج النفط والغاز الصخريين والطاقات المتجددة منافسةً للنفط والغاز التقليدي بدون دعم، ما سيضغط على أسعار النفط والغاز التقليديين، وسيحصل هذا في وقت ترتفع فيه تكاليف الإنتاج في البلدان العربية المصدرة، ما سيقلص الفائض الكبير الذي تتمتع به البلدان المصدرة اليوم، ولعل هذا هو التحدي الأكبر. وتأتي التحديات الداخلية من أن الغاز والنفط يشكلان القطاع الذي يولد معظم دخل البلدان المصدرة، وقد شكلت هذه الإيرادات سنة 2016 نحو نصف إلى ثلثي الإيرادات العامة في البلدان العربية المصدرة للنفط. وتعتمد بقية القطاعات
الإنتاجية والخدمية في هذه الدول على هذه الإيرادات، فالإنفاق الحكومي المعتمد على النفط يشكل محرّك الأسواق، وتشكل مشاريعه جبهات عمل للقطاع الخاص. وكلنا لمسنا انكماش السوق، وتقلص جبهات أعمال القطاع الخاص في الدول العربية المصدرة للنفط، خصوصا دول مجلس التعاون، عندما انكمش الإنفاق الحكومي، بعد تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014. وبالتالي، فإن أي تضعضع يصيب هذا القطاع سينعكس سلباً على مختلف مناحي الحياة في هذه الدول.
سيزداد التحدي صعوبةً مع تزايد معدلات الاستهلاك الداخلي من النفط والغاز، وخصوصا في السعودية، ما سيقلص الفائض المعد للتصدير ويقلص الإيرادات العامة. أما بعض الدول التي لديها مخرون غير كبير، كالجزائر وعُمان، فستكون معاناتها أكبر. ويتفاقم الوضع مع استمرار نمط الحياة الاستهلاكي الباذخ في هذه الدول من جهة، وانخفاض أعداد المواطنين وطغيان ثقافة عمل تتسم بالاعتماد على الوافدين والمقيمين في إنتاج كل شيء تقريبًا.
يجعل هذا الوضع تحدي التنويع الاقتصادي الذي يتجه نحو تنمية قطاعات جديدة مناسبة، تعتمد على كثافة العلم والاستثمار ضرورة ملحة. وما زالت ثمة فسحة لفعل ذلك، فالتنويع الاقتصادي يحتاج عقدين من العمل الدؤوب ضمن رؤية واستراتيجية وسياسات وأدوات جديدة، وتصميم على الفعل، وجهود مضنية، كي يعطي نتائجه، بينما تبذل جهود محدودة فقط حتى الآن.