من رزقه الله شكل جيشاً

من رزقه الله شكل جيشاً

09 مارس 2018
+ الخط -
من الظواهر المشخصة اجتماعياً في العراق، أنّ الرّجل الفقير لمجرد أن تصبح حالته المادية جيدة، إما أن يشتري سيارة، أو يتزوج على امرأته، ولأنّ حركة المجتمع مستمرة، ومعها حركة التاريخ الّذي لم يبلغ النهاية "الفوكويامية" بعد، فإنّ إضافات كثيرة حصلت على الظاهرة، أبرزها "أنّ من وفقه الله وتيسّرتْ أحواله، يؤسّسُ "جيشاً"، بعد أن يتزوّج على امرأته طبعاً، وهنا ربما يشكل جيشه من ذرّية نسوته الأربع، ومن ثمّ يتفرّغ لشؤون المراتب والأفواج وأرزاق جنوده.
ولطالما سمعنا بجيش الربّ في أوغندا، حتّى أصبحنا أوغنديين أكثر، ولطالما سمعنا "بالجنجويد" في السودان، فإذا بنا نغدو جنجويديين بشكل يفوق الوصف، إلى أن ظهر على الإعلام قبل سنوات، خبر تشكيل جيش، أطلق عليه مؤسّسه "الجيش اللّا دموي"، وكان آخر صيحة في عالم تصاميم الجيوش واختيار الاسم، بعد جيوش "دموية" عديدة ظهرت قبله، بمسمّيات مختلفة، وخلفيات عقائدية شتّى، وأحياناً يعرّف الجيش، بالإضافة إلى اسمه، باسم مؤسّسه، فيقال "دكان شحاتة لصاحبه .."!
أمّا الجيوش الإلكترونية، فتلك حكايتها حكاية، وهي حديث المثقفين والسياسيين، الّذين تزايدتْ شكايتهم منها، وصاروا يعتبرونها حرباً رخيصة، وكلّ واحدٍ منهم يبرأ إلى الله من امتلاكه جيشاً إلكترونياً، كمن يبرأ من امتلاكه جناحاً مسلّحاً حقيقياً، فهل يعني هذا أن الجيوش الإلكترونية خطيرة إلى درجة البراءة منها، أسوة ببراءة الأحزاب في الماضي القريب، من امتلاك أذرعٍ مسلحة؟
هذا واردٌ بالفعل، فجيوش الأمس لا يخفى مالكوها على أحدٍ، أما الإلكترونية اليوم، فإنّ التحقق منهم يتوقف عند توجيه الاتهام فقط، أما التثبت من كون المتهم، وهو سياسي غالباً، مدان بالفعل، فهذا لم يحصل.
الجيوش الإلكترونية تباغتْ المستخدمين عبر صفحات تحمل اسماً طريفاً، ومحتوىً فانتازياً ومحبباً، يأخذ نكهة شبابية وأريحية، لكن وفي توقيتات معينة، يبدأ دسّ السمّ في العسل، فتهاجم وتسقط وتشهّر، وهنا يصطدم المتابعون الكثر، بالمفاجأة، فيكتبون مخاطبين أدمن الجيش، بأنهُ ماكر وخبيث، وأنّهم كانوا يظنونه محايداً وبريئاً!
تشبه العملية التحضير الذي يأخذ نفساً طويلاً لكسب المتابعين، ثمّ وقبيل الانتخابات على سبيل المثال، يحصل ما يطلق عليها "العملية الاستباقية" أو "بدء الحملة الدعائية مبكراً"، غير أنّ أخطر ما تفعله هذه الجيوش هو تسريب الوثائق السرية، والكتب الرسمية التي بالكاد وقّعتْ لتوّها وحملت رقم الصّادر، وذلك كله يقوم بهِ سياسيون ونوّاب برلمانيون، بهدف زعزعة الرأي العام تجاه قضية معينة، أو التنكيل بجهة سياسية مناوئة.
مجرد كتابة كلمة جيوش، في محرك البحث جوجل، سيطرح عليك أوتوماتيكياً نتائجه، وهي الجيوش الإلكترونية، أو الجيوش الإلكترونية في العراق، فإنّ ظاهرتها طغت على ما سواها، ولأنها تتمّ عن تخطيط أيضاً، فقد اتهم إعلاميون معروفون، بإدارتهم لبعض هذه الجيوش العائدة لهذا السياسي أو ذاك، مقابل مرتبات شهرية عالية.
بعد سنوات من الحروب والخدمة الإلزامية، آل المطاف بالعراقيين إلى زوبعة الجيوش الإلكترونية، لكنّ ما يريحهم هذه المرّة، أنّ أحداً لن يطلبهم لخدمة الاحتياط!
2C9DFB32-F6A7-4B4F-A8A7-C0EEBAF8CFBB
2C9DFB32-F6A7-4B4F-A8A7-C0EEBAF8CFBB
مروان عدنان (العراق)
مروان عدنان (العراق)