في تعديل دستور الصين

في تعديل دستور الصين

09 مارس 2018
+ الخط -
أكتب هذه الكلمات من العاصمة الصينية بكين، وفيها يُعقد اجتماع تاريخي لمجلس نواب الشعب، سيتولى تعديل الدستور الصيني الذي ينص، منذ عهد زعيم الإصلاح والنهضة، دينغ شياو بينغ، على تحديد ولاية رئيس الجمهورية بفترتين بحد أقصى، مدة كل منهما خمس سنوات، ليصير مسموحاً بقاء الرئيس في منصبه من دون سقف زمني محدد، وهو ما يتيح للرئيس الحالي شي جين بينغ (64 عاماً) البقاء على كرسي الحكم عقب انتهاء فترة رئاسته الثانية التي بدأت أواخر العام الفائت. يمثل الرئيس شي رجلاً قوياً يمسك السلطة بحزم. ويعد أقوى قائد للصين منذ رحيل الزعيم دينغ عن السلطة، عام 1992، وتولى خلفه جيانغ زيمين مقاليد الرئاسة (1993-2002)، يليه الرئيس هو جين تاو (2003-2012)، ذلك أن سنوات حكم شي الماضية كانت استثنائية على الصعيدين: الداخلي الذي لاحق فيه الفساد وسيطر عليه، والخارجي الذي بدأت فيه الصين تظهر على المشهد الدولي، بفضل مبادرة "الطريق والحزام" التي تستهدف بناء شراكات واسعة للصين في آسيا وأوروبا، طابعها اقتصادي، وجوهرها سياسي.
هذا فضلاً عن أنه يسجل للرجل تنظيمه أول استعراض عسكري ضخم للجيش الصيني منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، إبّان الاحتفال بالعيد الوطني، أي ذكرى نجاح ثورة ماو تسي تونغ، وتأسيس الجمهورية الشيوعية في 1949. وبينما يقول الإعلام الرسمي الصيني إن تعديل الدستور يجيء "تحقيقاً لتطلعات الشعب"، فإن الشعب لا يبدو مهتماً بمآلات الحكم والسلطة، وهو الذي يرتع منذ بدأت سياسة الإصلاح والانفتاح في 1978 في خيرات التنمية ونتائجها التي انتشلت معظم فئاته من الفقر، وجعلت متاحاً لكل أفراده الحصول على عيش كريم وتعليم متميز ورفاهيةٍ لا تخطئها العين، خصوصا في المدن الرئيسية وعواصم المقاطعات.
هكذا تذهب الصين إلى الاستبداد، لكنه ذلك النوع الذي قالت عنه العرب، قبل أزيد من مائة 
عام، على لسان الشيخ محمد عبده، إنه "استبداد عادل"، حين وضعه شرطاً لنهوض الشرق، ففوّته العرب الذين تسلط عليهم استبداد ظالم منذ تأسيس الدولة العربية المعاصرة، عقب رحيل الاستعمار العسكري الأوروبي، فضاعوا في غياهب التاريخ، بينما نجح الصينيون في تطبيقه برؤيةٍ يُغبطون عليها، قادت إلى توزيع ثمار التنمية على الشعب بصورة جيدة جداً، وإتاحة فرص متكافئة للصينيين في العمل والوظائف، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والعرقية والدينية والثقافية، على عكس ما يحلو لبعض الإعلام السطحي، بما فيه بعض الإعلام العربي، الإشاعة عن الصين.
لا مشكلة إذن في استمرار الرئيس شي في السلطة، ما دامت البلاد تتقدّم بخطواتٍ متسارعة في عهده. لماذا يمكن لأمةٍ تخطط وتنفذ، فتتقدّم، أن تعترض على العدل والمساواة والرخاء والنهضة؟ يحفظ الصينيون عن ظهر قلب عبارة الزعيم دينغ التي أطلقها، حين جرى إحضاره من منفاه القهري في سيتشوان، عقب وفاة ماو، وتصعيده زعيماً للأمة، وهو في منتصف سبعينيات عمره، حيث قال: اتركوا السياسة لي، وأنا أقودكم إلى النهضة. وقد كان! الرئيس شي جين بينغ، وهو نجل أحد قادة الثورة الشيوعية، يُنظر إليه في أوساط المثقفين الصينيين أنه الخليفة الحقيقي للزعيم الإصلاحي دينغ، بعد عشرين سنة من حكم الإدارة الجماعية في عهدي جيانغ وهو.
هكذا تتجه الصين اليوم إلى نقلات نوعية، على صعيد التصنيع والتصدير الذي بدأت فيه الصين تبتكر علامات تجارية كبرى خاصة بها، عوضاً عن تقليد الصناعات الغربية واليابانية، كما ظلت تفعل خلال العقود الأخيرة، كذلك على صعيد الحضور في المحافل الدولية والتأثير في القرار العالمي، هذا بينما لا يُذكّر قادة الدول الكبرى الأخرى بزمن الزعماء الأقوياء، وهو ما يعطي بالطبع تميزاً إضافياً للصين، ويدعو إلى ترقب المستقبل بانتباه شديد، فضلاً عن استشرافه والمبادرة للاستفادة من فرصه، إذا كان بيننا من يخطط ويفكر ويطمح، يا أمة العرب.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.