الابتكار الخالد

الابتكار الخالد

08 مارس 2018
+ الخط -
يَعرِف أهْل البصر والبصيرة أنّ الابتكار يسير بسرعة مذهلة للنّاس؛ لا سيما في المجال التّكنولوجيّ والرّقميّ تحديدًا؛ وهو حقل بِقدر ما هو مُكمِّل للحقل العِلميّ يبدو مُنافِسًا قويًّا لا يَتوقّف؛ يسير الابتكار التّكنولوجيّ في كُلّ الاتّجاهات؛ ويَقصُد جميع مناحي حياة البَشر بتفاصيلها، حتّى صارتِ التّكنولوجيا تُنافِس الإنسان نفسه في قضاء أموره.
ما تَعرضه الأسواق التّجاريّة العالَميّة اليومَ من مُنتَجات يكاد لا يُساوي الطّلبات فهي تعيش أزهى عصورها؛ ونستِ الأزمة العالَميّة عام 1929 والأزمة المالية عام 2009؛ ما تستهلكه البشريّة من أسلحة ومَركبات وهواتف خلويّة خلال عشرين عامًا يفوق ما أنتجه العالَم كُلّه منذ فجر التّاريخ الإنسانيّ؛ الـمَشهد نفسه نلاحظه في الـمُنتَجات الفكريّة والأدبيّة والفنّيّة والرّياضيّة الّتي غزتِ الكوكب الأزرق بألسنة كُلّ النّاس؛ وهو في تطوّر ونمو؛ وبهذا وغيره مُستقبَلاً تصير البشريّة تعيش أكثر ذكاء وراحة إذن؛ الابتكار حياة عقل؛ وحياة قلب.
لا شكّ في أنّ الابتكار يَحمل الـجَمال والخير والحبّ بلطف؛ لذا يجب فتح الطّريق واسعا لخيال أهْل الابتكار عبْر جميع الممرّات ودون إيقاف تلك العقول الّتي تتزيّن بأيّ مُنتَج مَهما يَكن مجاله.
إنّ حقول الفكر واللّسان والتّاريخ والأدب والفنّ وغيرها تُوقِد أنوارها وتَفتح أسوارها وتَسيل أنهارها خدمة للمَعرفة البشريّة من كُلّ الثّقافات الّتي تَشترك في بِناء حضارة إنسانيّة واعية.
العِلم لا يسير بسرعة السّلحفاة؛ والتّكنولوجيا تُسابِق سرعة الضّوء؛ والـمَعرفة حقّ جميع البشر.
بيقين؛ يحتاج أهْل الابتكار في المجالات جميعها حرّيّة وبيئة خصيبة، كي ينمو الابتكار نموًا طبيعيًّا بعيدًا عنِ الطّفيليّات والطّحالب والأشواك؛ حيث يُولَد مُنتَج ما أو يُجوَّد مُنتَج متداول يحتاج تطويرًا من وقت إلى آخر، فيزداد الطّلب عليه؛ ولا يَعرِف بوارًا أو كسادًا.
نَعلَم أنّ الابتكار لا ينمو في غياهب الاستعباد والاستبداد والإفساد؛ بل ينمو الابتكار (أيّ ابتكار) في فضاء الحرّيّة والشّورى والإصلاح.
تَظلّ المكافآت والتّشجيعات حوافز لأيّ مُبتكِر فيزداد اجتهادًا وحرصًا وشعورًا بالمسؤوليّة الملقاة على عاتقه بعْد الإشادات والإعجابات، فرديّة أو جماعيّة؛ منَ الـمُجتمَع أو الدّولة.
في العالَم الثّالث يَكاد يَنتفي الدّعم الحكوميّ للكِتاب والصّحف والـمَجلّات والإذاعات والقنوات الفضائيّة والأفلام الوثائقيّة والسّينمائيّة والعُروض الـمَسرحيّة وألوان فنّيّة أخرى إلّا إذا كان يَخدم السّلطة الحاكمة.
في حين؛ تَسعَى الحكومات في كثير منَ البُلدان المتقدِّمة إلى دعم متوازن؛ وتخفيض للضّرائب والأعباء مَهما تَكن الـمُنتَجات لدفع قِطار التّنمية نحو الأمام فلا تُثقل كاهل المستثمرين والمبتكرين بما يُثنِي إراداتهم وإيراداتهم؛ وهو جليّ في أكثر من بلد يُطوِّر حقول الابتكار والاختراع والاكتشاف.
الرّؤية الحقيقيّة للابتكار ليست آنية بل تَظلّ خالدة بألقها ورونقها تَنفع النّاس جيلًا بعْد جيل؛ وهذا هو الابتكار الخالد الّذي لا يموت بموت صاحبه، الابتكار يَبدأ بفكرة؛ ويرتكز على التّخطيط؛ حين تُولَد الفكرة وتُغذَّى وتُطوَّر بالاجتهاد؛ وستُثمر ولو بعْد حين، الابتكار في كُلّ المجالات الّتي تَنفع النّاس؛ العقول ليست للزّينة؛ العقول للتّفكير، إذ لا يزال الوقت كافيًا لأيّ ابتكار.
زبدة نستخلصها؛ هي أنّ الأُمم بحجم مَعارفها وبابتكاراتها التّكنولوجيّة واكتشافاتها العِلميّة ومنافعها للبشريّة؛ وذاك هو تاريخها ومجدها وخلودها.
70595131-504F-4031-981B-65939A623027
70595131-504F-4031-981B-65939A623027
جـمال بوزيان (الجزائر)
جـمال بوزيان (الجزائر)