مسيرة العودة... وتصاغُر حكَّام عرب

مسيرة العودة... وتصاغُر حكَّام عرب

01 ابريل 2018
+ الخط -
الشعب الفلسطيني، المُواجِه المباشر لدولة الاحتلال  الإسرائيلي، والمُستهدَف الأوَّل، بأرضه، ووجوده، لا يزال يملك مقوِّماتِ الصمود الذاتي، ودوافع المقاومة، بأساليبها المختلفة، ومنها، هذه الآونة، المقاومة الشعبية الواسعة النطاق، في ذكرى يوم الأرض، متمثلة بمواجهاتٍ في الضفة الغربية، عند مواقع التماس مع قوّات الاحتلال، وفي غزة، عبْر مسيرة العودة، نحو السياج الحدودي الفاصل بين القطاع ودولة الاحتلال، في خطوة تهدف إلى إعادة الصراع إلى جذوره الأولى، وإلى توجيه طاقات الشعب الفلسطيني، وتوحيدها نحو المُناقِض الأساسي، وهو الاحتلال. وفي ذلك مؤشِّرات متعيّنة على استمرار الأجيال الفلسطينية، على رفض الاحتلال، وعلى التمسُّك بالحقوق الأساسية، وفي مقدِّمتها حقّ اللاجئين الذين شُرِّدوا من وطنهم، بالعودة إليه. يحدث ذلك، على الرغم من فاعليَّاتٍ مضادَّةٍ بالغة السَّطْوة، والاتِّساع، فكريًّا وثقافيًّا، في زمن تتسارع فيه وتائرُ العولمة التي تصبُّ في مسْحِ الخصوصيات الثقافية والهُويَّاتيَّة، لصالح ثقافةٍ تُغذِّي ميولا استهلاكية، على الصعيدين، الاقتصادي والمَعيشي اليومي، أو لصالح انهماكٍ غرائزيٍّ آنيِّ أنانيّ.
ويحافظ الشعب الفلسطيني، بعد جيلي الأجداد والآباء، على جذوة الوعي بأسباب الصراع، ومُحدِّداته، وثوابته، وعلى جذوة المقاومة، على الرغم من الوضع السياسي غير المُساعِد، سواء بتقيُّدات السلطة الوطنية الفلسطينية، المحكومة، حتى الآن (!) باتفاقات أوسلو. أو بالانقسام الفلسطيني الذي مِن شأنه أن يؤثِّر سلبا على تصوّر الشعب عن نفسه، وعن قادته، في ظلّ احتدام المناكفات الداخلية التي من شأنها أنْ تصرف جزءا غيرَ يسيرٍ من طاقة الشعب الفلسطيني، وقواه السياسية، والنضالية عن العدوّ الذي يتربّص بالجميع، حتى بالذين تشاركوا، بكلِّ جدّية، معه في عملية سياسية، كانت واشنطن الراعية المباشرة لها.
ويحافظ الشعب الفلسطيني، كذلك، على صيرورة النضال، على الرغم من الانعكاسات السلبية 
للوضع العربي العام، ولا سيما بعد دخول الربيع العربي في حالة اصطراعية منهِكة، ولا تخلو من الخيبات. هذا الربيع العربي الذي نجحت قوى دولية، وإقليمية وعربية، في تحويله من تهديدٍ إلى فرصة، من مُهدِّد لمصالح خارجية، تستلب مصالح الشعوب العربية، وتُصادِر قدرا كبيرا من إرادتها، إلى فرصةٍ لوصول حكَّامٍ عرب أكثر ضعفا إلى السلطة، كما في مصر، مثلا، والسعودية، إذ يجمعهما الوصول الأبعد عن الطبيعي. وهذا يعني، تلقائيا، استمرار الحاجة الماسّة إلى الدعم الخارجي، الأميركي، المرهون، تقريبا، سيما في زمن الرئيس الحالي، دونالد ترامب، بالرِّضى الإسرائيلي، كما أنّ مصلحة هؤلاء الحكام الأكثر تأزُّمًّا تدفعهم إلى خطب وُدّ دولة الاحتلال، مباشرة؛ فهي، عندهم، الطريق إلى قلب واشنطن، والمُعوَّل عليها، حليفا لمواجهة دول إقليمية، منها إيران تركيا. وفي هذا السياق، تندرج، مثلا لا حصرا، اتفاقيَّة الغاز التي وقّعها نظامُ عبد الفتاح السيسي مع إسرائيل، ولقاءات وليّ عهد السعودية، محمد بن سلمان، مع مسؤولين إسرائيليين، وَفْق ما أقرّ به رئيسُ أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوط، في مقابلة مع صحيفة معاريف العبرية، نشرت في 29 مارس/ آذار الماضي، وأنَّ ابن سلمان التقى مع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات. وفي زيارته لواشنطن شملت "لقاءاتُه منظماتٍ يهودية تدافع بشراسةٍ عن دولة الاحتلال الإسرائيلي". هذا في واشنطن، أمَّا في القاهرة فقد أصبحت في عهد السيسي مكانا لتزبيط العلاقات بين أكثر دولة عربية يهمُّ دولةَ الاحتلال استمالتها، بعيدا عن (إزعاجات) القضية الفلسطينية، ومصيرها البالغ التهديد، فقد جاء موقع "تايمز أوف إسرائيل" على "لقاءاتٍ سريَّة عُقِدت في القاهرة، بين مسؤولين من المملكة العربية السعودية وإسرائيل، تزامناً مع وجود محمد بن سلمان هناك في زيارته الرسمية لمصر".
لم تكن هذه المفارقة الحادَّة تحدث، على الأقل بهذه الوتيرة، وهذه الاستفزازية، في عهد حكام سابقين، حتى حسني مبارك، كان يخاطب دولةَ الاحتلال بنبرة أكثر اعتدادا، وكان يمتنع عن إرضائها، بزيارة، إلا زيارة بروتوكولية، حين شارك في جنازة رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، إسحق رابين.
سبب هذه المفارقة، حيث الاحتلال، في أشدِّ حالاته شراسة، وعنصرية، وحيث التقرّب منه، 
عربيا، في أعجب حالاته، وأكثرها ضيقا، بترك مراعاة المصالح العليا للشعوب العربية وقضيّتها، وأمنها، هاجس هؤلاء الحكام الذاتي، وشعورهم بالضعف، في أساس وجودهم في السلطة، فالسيسي وصل بانقلابٍ دمويٍّ، ومحمد بن سلمان يُهَيَّأ له، باعتقالات وإقصاءات طاولت الأسرة الحاكمة، وملاحقات أمنيَّة لأيِّ معارض، ولو بكلمة على مواقع التواصُل الاجتماعي. هنا يبرَع قادةُ الاحتلال، وداعموه، في استغلال ذلك، إلى حدودٍ بعيدة تقطع أيَّ صلةٍ لهذا الصنف من الحكام، بشعوبهم أو محيطهم، بلا خطٍّ للرجعة.
وهنا، لا مفرّ من تأكيد أمر العلاقة بين تحرُّر الشعوب العربية، داخليا، وتحرُّر فلسطين. ومن دون التعمُّق في بحث العلاقة، يمكن ملاحظة موقف إسرائيل، القريبة لحكام الثورات المضادة، ومِن أهمِّهم، في مصر، وفي السعودية، وفي الإمارات، وفي ليبيا أيضا، تقف إسرائيل إلى جانب الجنرال خليفة حفتر، كما نقلت صحيفة ميدل إيست آي، الإلكترونية البريطانية، عن مصادر في جيش الاحتلال الإسرائيلي، تأكيدها للعلاقات بين حفتر والسلطات الإسرائيلية. وأكّدت مصادر إسرائيلية صحة تقارير صحافية عن مساعدة عسكرية مباشرة لصالح حفتر. وحتى في سورية، تفضّل دولة الاحتلال بقاء الأسد على ذهاب سورية إلى نظامٍ يمثّل الشعب السوري، ولا تعرف، في أقلّ التوصيفات، مدى حفاظه على الوضع القائم، منذ اتفاقية فكّ الاشتباك 1974.
وبقطع النظر عن توفر كامل الظروف الموضوعية لنجاح مساعي الشعوب العربية، والشعب الفلسطيني، إلا أنَّ هذا التنبُّه الدائم لهذه الحقوق، وهذا الاستعداد لبلورة تلك الشروط اللازمة للتحرّر والتحرير، أمرٌ مبشّر وضروري.