الكسل إجازةً مؤقتةً

الكسل إجازةً مؤقتةً

31 مارس 2018

(جبر علوان)

+ الخط -
يسمي علم النفس الكسل بـ "العادة" التي تتسبب بها حالاتٌ نفسيةُ محدّدة، مثل نقص الثقة بالنفس والتقدير الذاتي، ونقص المعرفة والتدريب وفقد الاهتمام أو الإحساس بالجدوى من النشاطات الاجتماعية والفردية. وكما صنفت الأديان السماوية الكسل حالة سلبية، كذلك فعل علم النفس لما اعتبره عادةً غير محفّزة، عادةً سلبيةً تنتج من حالاتٍ سلبية. وبالتالي تصنيفها ونتائجها ستكون سلبية. وفي اللغة العربية، تم تعريف الكسل بالفتور والتهاون والتقاعس والتراخي والتقصير، وكلها صفات غير إيجابية، وتورَد في إطار الذم والقدح، أو الاستهانة والتحقير، وعكسه النشاط الذي تأتي صفته في إطار المديح والتحبّب.
ولكن لماذا علينا أن نتعامل مع الأشياء والصفات والأفعال، بالاتساق مع مضامينها الاجتماعية أو العلمية أو الدينية؟ لماذا لا نستطيع أن نغير في المفاهيم التي تبدو بديهية، قليلا؟ دعونا نرى الكسل من زاوية أخرى، غريبة ربما، وفردية وصادمة، دعونا نتعامل مع الكسل بوصفه عادة إيجابية، أو لنقل عادة شخصية من دون تصنيفٍ أو تأطيرٍ في خانةٍ ما. فلكل منا عاداته التي يحبها، والتي تشكل جزءا أساسيا من تكوين شخصيته، ولا يحق لأحد الاستهزاء أو تحقير أحد، بسبب أيٍّ من عاداته، ما دامت هذه العادة لا تضر بالآخرين، ولا تمسّهم. هذه الاستهزاء هو اعتداء على الحرية الشخصية، وهو في البلاد المتقدمة مسٌّ بالحقوق التي تكفلها القوانين وتحميها، فماذا يضرّني إن كان جاري أو صديقي يستمتع بكسله؟ لماذا أيضا يتم تحقير التلاميذ والطلاب والموظفين والعمال بإطلاق صفة "كسول" عليهم، ونبذهم لصالح زملائهم "النشطين"؟ هناك نتائج لهذه العادات، يحصدها أصحابها، فلنترك لكل منا عادته، مهما كان تصنيفنا ذلك.
لنتأمل الكسل من وجهة نظرٍ لا علاقة لها بالخمول والتقصير والفتور والتهاون، لنر الكسل بوصفه متعةً خالصةً، ليست سهلة وليست متاحة، نحن نعيش حاليا في وقت بالغ الصعوبة. وعلى الرغم من صعوبته، يمرّ بنا كلمح البصر، أو لنقل إننا نحن من نمرّ به بسرعة في طرقنا إلى النهاية. كل ما في حياتنا الحالية يجعل من الزمن ثقلا ضاغطا علينا، خصوصا لمن هم في مرحلة منتصف العمر، ولم ينجزوا إلا القليل، يصبحون كأنهم في سباقٍ دائمٍ مع سرعة الحياة، عدا عن المحاولات المتواصلة للإمساك بالأحلام المنهارة، ثمّة الكثير في حياتنا الحالية يجعلنا لاهثين، وسائل الاتصال الحديثة ساهمت في هذا أيضا، نحن نركض لنتابع المستجدات أولا بأول، والأحداث حولنا لا تتوقف، والحدث لا يتكرّر. كل دقيقةٍ ثمة حدثٌ جديد، ونحن نحاول اللحاق به لمتابعته، عدا عن دورة العمل ولقمة العيش والعائلة والأصدقاء والصحة، إلى آخر ما هنالك من تفاصيل يومية مرهقة، لفرط ما هي ملحة وضاغطة. لنتخيّل وسط هذا كله التالي:
نستيقظ متأخرين، نشرب قهوتنا بهدوء، ونحن نستمع إلى موسيقا هادئة، ثم نتصّل بالمتاح من الأصدقاء. نطعم قططنا إن كان لدينا قطط، ونلاعبها قليلا. نطهو بهدوء وتأنٍ طعاما نحبه. نقرأ كتابا ممتعا. نشاهد أفلاما نحبها. نسقي أصص الزرع في بيوتنا. نستلقي على الكنبة المريحة أمام شاشة التلفزيون، ونحن نشاهد فيلما قديما بالأبيض والأسود، لا نقترب من محطات الأخبار التلفزيونية، ولا نقترب من أخبار وسائل التواصل. لا نفكر بما علينا من الواجبات اليومية. لا يشغل بالنا شيء، لا حرب ولا موت ولا خراب ولا دمار ولا فقدان الأوطان والأحبة، ولا شيء من كل ما يشغل البال. نضع أدمغتنا في حالة عطالةٍ، ونستسلم للاتفكير، للاشيء، نمنح عقولنا وأجسادنا وأعصابنا لهذا اللاشيء الذي هو الكسل، بكل تعريفاته.
تخيّلوا أنفسكم منفصلين تماما عن هذا السعار الدموي الذي يحيط بنا في كل لحظة. تخيلوا أنكم قادرون على وضع "بلوك" على التفكير بكل هذا الموت، ونسيانه تماما ليوم كامل، والتركيز على الاستسلام لحالة التلاشي في الكسل، قد يبدو الأمر بسيطا وسهل التحقق، لكنه في الحقيقة بالغ الصعوبة، إذ ليس سهلا التركيز على ما لم نعتد عليه، والغرق في كسل كامل، ليس جسديا فقط، بل عقليا، كما لو أننا أعطينا لأنفسنا ولعقولنا إجازة. هكذا نستطيع أن نتعامل مع الكسل، بوصفه فعلا إيجابيا لا سلبيا، بوصفه متعةً تزيح عن العقل توتره، وتمدّه بقوة ليبدأ من جديد.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.