إبداعات تقرأنا ولا نقرأها

إبداعات تقرأنا ولا نقرأها

30 مارس 2018
+ الخط -
الإبداعات نابعة من عمق الإنسان، فهي تحمل ملامحه، مشاعره، تغوص في بواطنه. فحين ننجز إبداعا، فلأننا انطلقنا من معطيات وحيثيات، واستهدفنا إيصال رسائل تتعلق بتوصيفات في صميم واقع الإنسان وحياته.
حين نبدع ونطبع إبداعاتنا لنشرها أو عرضها إن كانت تشكيلية، فلأننا نروم أن نقول شيئا عن واقع الإنسان إيجابا أو سلبا.
إننا نصف لنلاحظ وندعو إلى تغير ما ينبغي تغييره، وتعزيز ما ينبغي تعزيزه، وبذلك، فالإبداعات تنطلق منا إلينا، هي مرآة صنعناها لنرى فيها أنفسنا، فنهذب من أحوالنا ما يحتاج إلى ذلك، أو نزيد الجميل فينا جمالا.
الإبداع عصارة تفكير، ومنبر تدبير لمواجهة أوضاع قد تضر، أو قد تهدد وجودنا وحياتنا، وهو بهذا يختزل تجارب سنوات وسنوات لأن المبدع روائيا كان أو مسرحيا أو تشكيليا أو غيرهم، يستند في منجزه الفني إلى تجاربه الشخصية وتجارب الآخرين عبر قراءاته المتعددة لمؤلفات هؤلاء وأؤلئك ممن سبقوه، أو ممن يعاصرونه، الحاملين لِهَمِّ النقد والتوعية والتغيير نحو الأفضل.
وقراءة الإبداع قراءة لمسيرة بشرية ممتدة، قراءة لأحوال ينبغي اتقاء السقوط في أشباهها، قراءة لتحليلات ثاوية في قوالب الإبداع بشتى أنواعها.
الروائي والشاعر والتشكيلي والسينارست والقاص هم أشخاص جندوا أنفسهم لخدمة البشرية، والمساهمة في التنوير والهداية والاستنكار والدعوة إلى الحرية والانعتاق. وأي مبدع من هؤلاء لا ينطلق من استهداف النبل والاستضاءة من منجزه الإبداعي، فهو يكذب على نفسه وعلى غيره، ويروم الشهرة المجانية التي لاتكلفه المتْح من المراجع والمصادر عبر السهر على قراءتها، باحثا متمحصا للوقوف على ما يفيد جمهورا ينتظر منه ما ينفعه وينوّره.
المؤسف له هو وجود مبدع نبيل يستحق الشكر على منجزاته في مجال الفن والإبداع بدون جماهير، دفعه النظر في أحوالهم فتفانى في عمله، وبذل جهودا فأبدع وأنجز وأجاد.
الإحصائيات المتعلقة بنسبة القراء ونسبة النقاد ونسبة المستفيدين مما يكتب في مختلف الأجناس الإبداعية مخجلة تدعو إلى إعادة النظر في تفاعلنا مع الإبداع والمبدعين، ومع الفعل الثقافي بصفة عامة.
صار الناس في الوطن العربي وغيره من بعض البلدان كائنات استهلاكية للأغذية والألبسة والأغاني التافهة التي لا تحمل لا مضمونا ولا قالبا، نحن بعيدون كل البعد عن الإبداعات الرصينة الحاملة لعلل همومهم وبلسم آلامهم وتصدعاتهم .
هكذا تقبع الإبداعات في الرفوف تلتحف الغبار ونسيج العناكب ليصير وجودها كعدمها، ولتصير أهميتها مجهولة لجهلنا بها.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني