المزاج العام في اليمن

المزاج العام في اليمن

28 مارس 2018
+ الخط -
السهر إلى وقت متأخر عادة متأصلة فيّ، قد تكون طبيعة سيئة في نظر كثيرين. لكن ليس هذا المهم، فالمهم لدي أنّ السهر أتاح لي أن أعيش أحداثا فارقة في السنوات الأخيرة، وكثير منها كانت تقع بعد منتصف الليل. لا أدرى لماذا تبدأ أحداث كبرى، في منطقتنا، في وقت متأخر. يقول بعضهم إن ذلك بسبب فارق التوقيت بين المنطقة العربية وواشنطن، وربما أنّ صناع القرار يميلون إلى تخاذ القرارات من غرف نومهم.
في الساعات الأولى من يوم 26 مارس/ آذار 2015، كنت أتابع أخبار اقتحام قوات الحوثي وعلي عبد الله صالح مدينة عدن التي كانت قد أعلنت عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية، بعد مغادرة الرئيس علي عبد ربه منصور هادي، بعيد اقتحام صنعاء والانقلاب. أتابع الأخبار العاجلة، ليخف إيقاعها تدريجياً بمرور الوقت مع شعور الناس بالملل وربما اللامبالاة نتيجة الإحباط. كنت حينها، أتابع عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما يفعل أغلب اليمنيين، حتى أصبحت أقرب لمنصات تواصل حربي.
حوالي الواحدة بعد منتصف الليل، أقرأ كما هائلا من البؤس والقهر في حروف الناس، نتيجة سقوط عدن الدرامي وشعورهم أنّ كل شيء انتهى. أتصفح بالقرب من النافذة حيث الجو ربيعي والمطر يسقط على اليمن في هذا الموسم. سمعت انفجارا عنيفا لم أعهده من قبل، إذ صحيحٌ أني كأغلب اليمنيين اعتدت على أصوات الانفجارات وحروب الشوارع، لكن أغلبها لأسلحة متوسطة، وهذه الشدة في الانفجار غير معهودة أو نادرة.
فتحت النافذة التي تطل على جهة صنعاء الشمالية، لأشاهد لهبا عاليا، تبعه صوت انفجار آخر مماثل وتيار هواء. لم أنتظر لأعرف ماذا يحدث عبر "فيسبوك"، بل ذهبت مباشرة إلى التلفزيون، لأقرأ خبراً عاجلا يقول: "الملك سلمان يعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن". كان الهدف مطار صنعاء الدولي وقاعدة الديلمي الجوية، فهما يقعان جنبا إلى جنب.
لم ينم أحد تلك الليلة، فمزاج الناس تغير. عاد المحبطون إلى الصراخ "لن نهزم"، فقد دخلت القاذفات والمقاتلات التي لا تقهر في المعركة، وبدأ حديث لم يدم طويلا عن تغييرالسعودية سياستها وقيادتها للعرب وحمايتها الأمن القومي العربي، وكيف أنّ إيران ستجر أذيال الخيبة، وتندم لتفكيرها بالسيطرة على بوابة العرب الجنوبية.
غير أن هذا المزاج العام أيضا لم يدم طويلا هو الآخر، ذلك الزخم تلاشى كوثب رمال، إذ اكتفى التحالف بعد سيطرته على عدن والجنوب بتسليم الأمور لدولة الإمارات التي لم تسمح بعودة الشرعية إلى وقت كتابة هذه السطور، بل دعمت مليشيات مسلحة باسم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لا يعترف بالشرعية، ليصبح لدينا انقلابان؛ في الشمال بقيادة الحوثي وفي الجنوب بقيادة القوى المدعومة إماراتيا. شمالا ظل الوضع عسكريا كما هو، وإنسانيا في تدهور مضطرد.
ولأني أحب السهر ليلا، عشت ليلة الذكرى الثالثة لعاصفة الحزم. لكن هذه المرة ملامحها مختلفة تماما، وحدثها الأبرز إطلاق الحوثيين سبعة صواريخ بالستية على المملكة، استهدفت ثلاث منها العاصمة الرياض. فهدف الرياض انحدر من الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة إلى التصدي للصواريخ الباليستية على مدنها، فيما اصبح ابتهاج السعوديين في أنّ الباتريوت أسقط الصواريخ في الجو.
تبدل مزاج كثيرين ممن ابتهجوا بعملية عاصفة الحزم العسكرية من اليمنيين في يومها الأول، تبدّل مزاجهم إلى السخرية من العاصفة في سنويتها الثالثة، وكيف أن المملكة تجيد تقوية الأعداء وخسارة الأصدقاء.
7C33DDD9-1FBD-4B15-8327-D8F51C511B01
7C33DDD9-1FBD-4B15-8327-D8F51C511B01
صلاح النهمي (اليمن)
صلاح النهمي (اليمن)