سيف الإسلام رئيساً لليبيا؟

سيف الإسلام رئيساً لليبيا؟

27 مارس 2018

سيف الإسلام القذافي: لا أحد يتحدث باسمي (فرانس برس)

+ الخط -
أثار إعلان أن سيف الإسلام القذافي ينوي الترشح للرئاسة في ليبيا، في مؤتمر صحافي لأحد المتحدثين باسمه في تونس، اهتمامًا إعلاميًا واسعًا. ولا يزال مصير نجل معمر القذافي ومكان وجوده يسوده الغموض، منذ اعتقاله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 في جنوب غرب ليبيا، ونقله إلى مدينة الزنتان، وقد أشرفت على اعتقاله مجموعة تُعرف بكتيبة أبو بكر الصديق. ويعتقد كثيرون أنه ما زال في الزنتان، وأن حركته مقيدة. وقد أعلنت كتيبة أبو بكر الصديق، قبل أيام، في موقعها الإلكتروني، أنها تواصلت مع سيف الإسلام القذافي بشأن ما أعلن عن ترشحه لرئاسة ليبيا، فنفى أي صلة له بالإعلان، وأنه لم يكلف أحدًا بالتحدث باسمه.
لنفترض جدلاً أن لدى نجل القذافي رغبة حقيقية في العودة إلى الحكم في ليبيا من خلال انتخابات رئاسية، وهذه لم يتم التوافق بين الأطراف الليبية على موعدها بعد، وما إذا ستكون بعد إقرار دستور دائم للبلاد أم قبل ذلك؟ ولعل الرأي السائد، من الحوارات الليبية الحالية، هو ضرورة أن يتوافق الليبيون على دستور دائم، يحدّد الإطار السياسي، ونظام الحكم للدولة الجديدة أولاً، وتكون أية انتخابات رئاسية وبرلمانية استحقاقا لهذا الدستور، وبشروط الترشح التي يحددها.
وتفيد مسودة الدستور الجديدة المطروحة في انتظار استفتاء مباشر عليها بأن أحد شروط الترشح للرئاسة هو الخلو من أية سوابق جنائية، أو إدانة قضائية ضد المترشح، وهو ما يشكل عائقًا جنائيًا وقضائيًا يمنع ابن القذافي من الترشح، لكونه مدانا في جرائم ضد الليبيين، بحكم محكمة في طرابلس في يوليو/ تموز 2015، أصدرت في حقه حكمًا بالإعدام. ويقول خبراء إن قانون العفو العام الذي أصدره مجلس النواب في طبرق في عام 2016 لا ينطبق على سيف الإسلام القذافي. والأهم من الموانع الدستورية مدى مصداقية هذا الرجل، وإمكانية القبول به بين أوساط الليبيين، فالذاكرة الجمعية الليبية ما زالت قريبة حية، تستحضر تحريضه العلني الموثق على ضرورة قمع وقتل كل من ثار ضد والده. وسيف الإسلام الذي قيل إنه أسس، أخيرا، حزبًا سياسيًا (الجبهة الشعبية الليبية)، ويريد أن يترشح في انتخابات الرئاسة باسم هذا
الحزب، هو نفسه الذي دعم والده في تجريم كل من يشكل حزبًا أو تجمعًا سياسيًا وعقوبته الإعدام، وحرَّم على الليبيين الاحتكام الى صناديق الانتخاب 42 عامًا من حكمه.
قد تكون لدى غالبية الليبيين اليوم خيبة أمل واستياء مما آلت إليه الأمور أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ومن فشل النُّخب التي تولت إدارة البلاد خلال السبع سنوات الماضية، لكن الليبيين أنفسهم هم الذين يخرجون عفويا بمئات الآلاف في كل ذكرى لثورة 17 فبراير للاحتفال والاحتفاء بها في غالبية المدن الليبية، ما يؤكد تمسّكهم العميق بمبدأ الثورة والتغيير الذي أسقط نظام القذافي الشمولي الاستبدادي، والذي كان سيف الإسلام أحد رموزه وركائزه في العقد الأخير منه، حين كان يستعد لوراثة الحكم بعد والده.
لقد كشف اندلاع الثورة زيف ادعاءات سيف الإسلام الإصلاحية، والانفتاح السياسي الذي كان يُسوقه، وظهر على أنه ابن أبيه بامتياز، بما يحمله من نزعة شمولية استبدادية. كما أن هذا الرجل يبقى شخصية جدلية في ليبيا، ترسخ الانقسام والفُرقة بين الليبيين وتعمقهما، وليس شخصيةً توافقيةً، يمكن أن تجمع شملهم، فقد يحظى بتعاطف وتأييد من بعض الذين ما زالوا يدينون بالولاء لنظام والده، لكنه مرفوض تمامًا ممن شاركوا في الثورة ودعموها.
ويُعتبر بروز خليفة حفتر طرفا له طموحات سياسية في الحكم مضاداً ومنافساً لأي مشروع قد يتصدّره سيف الإسلام القذافي، وذلك لأن الأخير يرى في حفتر عميلًا وخائًنا، بينما يعتبرُ حفتر سيف الإسلام منافسًا لا يمكن التفاهم أو التوافق معه. ولم يخف حفتر ذلك، عندما قال، في مقابلة مع مجلة جون أفريك الفرنسية أخيرا "لا يزال العديد من السذج للأسف يعتقدون أن سيف الإسلام يمكن أن يكون حلا". كما أن الدول التي تتبنّى حفتر وتدعمه بقوة، وفي مقدمتها الإمارات ومصر، لا يمكن أن تدعم فُرص وصول سيف الإسلام القذافي إلى الحكم، من دون التضحية بحفتر الذي استثمرت فيه الكثير.
وتبقى الكلمة الفصل في أي انتخابات رئاسية مقبلة، عند إتمام أي استحقاق مهم من استحقاقات الثورة، هي للغالبية العظمى من الليبيين، والذين لديهم قناعة راسخة بأن التغيير الذي تم من خلال ثورة فبراير كان إنجازاً حاسماً في إنهاء حقبة مظلمة وإزالة انسداد في طريق بناء مستقبل أفضل، دعائمه الحرية والتقدم والازدهار.
لقد رفع أحفاد عمر المختار في ثورة فبراير كلمته "نحن لا نستسلم.. نحن ننتصر أو نموت" شعاراً لهم، فانتصروا بإرادة الله، ودفعوا لحريتهم مهرًا غاليًا من الدماء والتضحيات. وتؤكد حركة التاريخ العربي المعاصر الكلية، وحتميته السببية، أن الأسر الاستبدادية الحاكمة لا تعود بعد إسقاطها إلى الحكم، لأنها كانت تحمل في طغيانها أسباب السقوط والانهيار. ومن شبه المستحيل أن تعود عائلة معمر القذافي من خلال ابنه سيف الإسلام إلى حكم ليبيا.
7DEDDD08-3952-4F02-8E9F-2673C73D8B1A
7DEDDD08-3952-4F02-8E9F-2673C73D8B1A
جمعة القماطي

ناشط سياسي وأكاديمي ليبي، تولى مهمة منسق المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بريطانيا خلال شهور الثورة الليبية عام 2011، عضو لجنة الحوار السياسي وأحد الموقعين على الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) في ديسمبر 2015، ويرأس حزب التغيير في ليبيا.

جمعة القماطي