تونس.. هل تحزم حكومة الشاهد حقائبها؟

تونس.. هل تحزم حكومة الشاهد حقائبها؟

25 مارس 2018
+ الخط -
كما كان متوقعا، يبدو أن حكومة يوسف الشاهد في تونس بدأت تحزم حقائبها، فقد كادت تتحول، كما صرح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، إلى حكومة تصريف أعمال، على الرغم من أن رئيس الجمهورية لم يشر، في خطابه أخيرا، يوم 20 مارس/آذار الجاري، بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال، إلى ذلك مطلقا، كما أن تصريحات الموقّعين على وثيقة قرطاج، على إثر اجتماعهم منذ أقل من أسبوع لم يقرّوا هذه الفرضية. ولكن يبدو أن كل المؤشرات تدل على أن رحيل هذه الحكومة بات مسألة وقت لا غير، على ضوء نتائج الانتخابات البلدية التي تجري بعد أقل من شهر ونصف الشهر. في مواجهة هذه التصريحات والتلميحات، لم يفوّت رئيس الحكومة، هذه الأيام الأخيرة، الفرصة للرد على خصومه لا يعنيه، بل لقد كثف من زياراته الميدانية المناطق والمدن المجاورة للعاصمة، حيث أعلن عن عدة إجراءات لفائدة الاستثمار والرفع من نسق التشغيل. بل إنه قال صراحة إنه لن يكون شاهد زور، وإنه سيمضي في إصلاحاته، حتى ولو كان ثمن ذلك التضحية بمنصبه السياسي، بل اتهم خصومه الذين يحرصون على إقالته على أن بعضا منهم إما أنهم يحنّون إلى زمن الدكتاتورية، أو أنهم عدميون يصرّون على تأجيل الإصلاحات المؤلمة التي تقتضيها وضعية البلاد. بل إنه أصر، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية
 العتيدة التي تطالب برحيله، على أنه لن يؤجل الإصلاحات المتعلقة بصناديق الحماية الاجتماعية والمؤسسات العمومية، وهي إصلاحاتٌ يعرقلها الاتحاد. ومع كل هذا الجدل، ظل موقف الاتحاد العام التونسي للشغل مثيرا وملتبسا، فلقد كان الأمين العام الحالي من أكبر المدافعين عن الشاهد، إلى حدود أسابيع قليلة، ولكن بسرعة فائقة، وعلى خلاف كل التوقعات، لفظه من خلال تصريحاتٍ ناريةٍ، كان الرجل أطلقها من مدينة سيدي بوزيد قبل أيام قليلة. ما زال الرأي العام يتساءل عن سر هذا التغيير المفاجئ في الموقف. قد يكون الشاهد قد بدأ يستعد لحسم ملفاتٍ من دون الرضوخ لموقف الاتحاد، على غرار ملفات الصناديق الاجتماعية، وفوضى العمل النقابي في قطاع التعليم والتربية وغيره، علاوة على ملفاتٍ يبدو أن الاتحاد يتحمل فيها المسؤولية، بل يرفع فيتو في وجه من كان له رأي مخالف لرأي الاتحاد.
وحدها السياقات قد تمنحنا إمكانية تفسير ما يحدث حاليا، خصوصا إذا ما اعتبرنا المغيرات الدولية والإقليمية، فمنذ رحيل حكومة الحبيب الصيد، أواخر سنة 2016، الذي تزامن تقريبا مع قدوم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم تعد قضية الانتقال الديموقراطي والربيع العربي تعني للولايات المتحدة كثيرا، ولا حتى الاتحاد الأوروبي. كانت تونس استثناءً، ولكنها مع ذلك وقعت في إخفاقات عديدة، لعل أخطرها صعود الحركات الإرهابية. وعلى الرغم من تراجع الأخيرة في السنتين الأخيرتين، بشكل ملحوظ، بعد أن تم تفكيك خلايا عديدة، علاوة على القضاء على عدة قيادات ميدانية، فإن ضعف الدولة بات أمرا لا يمكن أن يستمر، وتؤشر إلى ذلك مؤشرات عديدة، لعل أهمها تدني النتائج الاقتصادية، حتى كادت الدولة أن تصبح على حافة الإفلاس، في ظل تصنيفات متتالية في بعض القوائم السوداء، على غرار قائمة الجنات الضريبية وقوائم التهرب الضريبي وغيرها.
كما بدت الدولة ضعيفة وغير قادرة على ممارسة دورها في الضبط الاجتماعي والسياسي، فبعد موجة من الإيقافات والاعتقالات التي قادها رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وطاولت بعض 
بارونات التهريب، توقفت تلك الموجة، وقد تكون هذه الحملة إحدى المبادرات من أجل استرجاع شعبيةٍ تآكلت بسرعة. يبدو أن زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تونس، في فبراير/ شباط الماضي، لم تفلح في إنقاذها بشكل نهائي، وهي التي برمجت من أجل هذه الغاية، ولكن قد تكون متأخرة، فقد اضطر رئيس الحكومة إلى إقالة محافظ البنك المركزي، على إثر التصنيفات المتتالية للبلاد في تلك القوائم السوداء، محاولا التدارك.
تؤكد أوساط رئاسة الحكومة أن الاجتماع المقبل للجنة الموقعين على وثيقة قرطاج معني بوضع خريطة طريق للخروج من الأزمة، وهي أزمة ما زال الفرقاء مختلفين في تحديدها، أي إن كانت أزمة سياسية أو أزمة اقتصادية. كما أن الأولويات ما زالت محل خلاف.
بالنسبة لمحللين عديدين، فإن التضحية بيوسف الشاهد تشكّل إجراء استباقيا من أجل تحييده في أقرب الآجال، وهو الذي لم يخف طموحاته السياسية في أفق الانتخابات الرئاسية التي ستجري السنة المقبلة. في ظل غموض كثيف، ما زال يلف موقف رئيس الجمهورية من إمكانية ترشحه لهذه الانتخابات. وفي ظل المشكلات المعقدة والمزمنة للبلاد، ومحاولة تمدد سلطة الرئيس، وتشتت المعارضة، وحالة التوافق الهش والضعيف، يبدو أن البلاد لن تظفر برئيس حكومة يستجيب لكل تلك المواصفات المطلوبة، حتى يحل تلك المشكلات. لذلك لا يعتقد أن الحل يكمن في تغيير الشاهد، بل في تغيير السياسات، من أجل الكثير من الجرأة في اتخاذ لقرارات شجاعة: محاربة الفساد، وقف نزيف قيم العمل، مصارحة التونسيين بأن لا أحد مستعد لدعمهم إن لم ينهضوا لبلادهم.
هل الحل في تغيير الحكومة؟ لا أحد يعتقد أن هذا الأمر سيكون عصا سحرية لحل المشكلات المستعصية في تونس، وهي على بعد أقل من شهر ونصف الشهر على الانتخابات البلدية التي ستحدد خريطة سياسية، تعكس ثقل الأحزاب، وستحدد، لا محالة، مصير يوسف الشاهد وحكومته.
7962F3C9-47B8-46B1-8426-3C863C4118CC
المهدي مبروك

وزير الثقافة التونسي عامي 2012 و2013. مواليد 1963. أستاذ جامعي، ألف كتباً، ونشر مقالات بالعربية والفرنسية. ناشط سياسي ونقابي وحقوقي. كان عضواً في الهيئة العليا لتحقيق أَهداف الثورة والعدالة الانتقالية والانتقال الديموقراطي.