جرادة.. جرح في جسد المغرب

جرادة.. جرح في جسد المغرب

24 مارس 2018
+ الخط -
يجب الاتفاق أولا على أن ما يحدث في مدينة جرادة المغربية، منذ أشهر، ليس مفاجئا ولا استثنائيا، بل على العكس، هو أمر عادي ومتوقع، لأنه مجرد جزء من مسلسل التحولات والتقلبات الكثيرة التي أصبح يعرفها المغرب في السنوات الخمس الأخيرة، وهي تقلبات لا يمكن على أي حال عزلها عمّا يحدث في دول الإقليم التي تأثرت بالربيع العربي. الربيع الذي نجح المغرب، في البدء، وإلى حد بعيد، في تفادي شراراته التي كانت تتطاير يمنة ويسرة، حتى صار الاعتقاد المسيطر أنّ الدولة المغربية نجحت بالمطلق في العبور إلى بر الأمان، وهو ما اعتقدته الدولة نفسها، الأمر الذي جعلها تشرع في استرداد ما تنازلت عنه من سلطة لصالح الأحزاب، خصوصا حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
الأسوأ أنّ السلطة سحبت من هذا الحزب دوره وسيطا بينها (الدولة) وبين الشعب، بعدما اعتقدت أنها اجتازت مرحلة خطر الربيع العربي، وأنه لا حاجة لها لوسيط سياسي (إسلامي)، إلا أنه غاب عنها أنه لا يمكن حكم شعب بمعايير ما قبل الربيع العربي، فشعوب ما بعد الربيع العربي تختلف طريقة تفكيرها عمّا كانت عليه قبل ذلك.
تهافت الدولة لاسترداد سلطتها المطلقة، وإلغائها الوسيط السياسي بينها وبين الشعب أدى إلى ظهور احتجاجات اجتماعية قوية بمجموعة من المناطق المغربية، كان أقواها حراك الريف الذي أدى إلى سقوط مجموعة من السياسيين والمسؤولين. والواضح أنّ حراك مدينة جرادة لن يكون أقل قوة من حراك الريف. فهذا الحراك، الذي كان سببه المباشر مقتل الشقيقين حسين وجدوان الدعيوي، في منجم للفحم في المدينة، تطور بطريقة سريعة بفعل الانخراط العفوي لسكان المدينة في الاحتجاجات، وأيضا بفعل اللاتجاوب الذي أبداه المسؤولين تجاه مطالب الساكنة.
احتجاجات جرادة لا تختلف كثيرا عن حراك الريف، بحكم أن جوهرهما هو نفسه: المطالب الاجتماعية. ربما الاختلاف الوحيد يخص شكل الاحتجاجات التي تميزت في الريف بوجود زعيم لها التفت حوله الساكنة، في حين التفت ساكنة جرادة حول نفسها وحول إيمانها المطلق بأن قضيتها عادلة، لذلك هي ليست في حاجة لـ"بطل" يمثلها.
الأمر الآن متوقف على الدولة، وعلى الطريقة التي ستتعامل فيها مع هذه الاحتجاجات التي لن تتوقف عند مدينة جرادة، ما دام محرك التنمية معطلا، وما دام البؤس الاجتماعي مسيطرا على أغلب مناطق المغرب.
الدولة الآن ملزمة بإعادة بناء جسر الثقة بينها وبين الشعب، وهو جسر لن ينبني على علاقة مباشرة بين الطرفين، بل لابد من وسيط حقيقي، له نصيب من المصداقية لدى الشعب، ويجب أن يصاحب هذا الوسيط مشروع تنموي حقيقي قابل للتنزيل على أرض الواقع.
ختاما، اتضح، عبر ما يقع في المغرب، أن عقلية الشعوب مرنة، وأن عقلية الحكام ثابتة لا تتغير.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي